فنظر الرجال إلى النهر وبدت على وجوههم الدهشة، وقال حور بذهول: كيف تظمأ هواريس يا مولاي؟
فقال أحمس بهدوء: بأن نحول عنها مياه النيل.
فنظر الرجال مرة أخرى إلى النيل وهم لا يصدقون أنه يمكن تحويل هذا النهر العظيم من مجراه، وتساءل حور: هل يمكن القيام بهذا العمل الجبار؟
فقال أحمس: لا يعوزنا المهندسون ولا العمال! - وكم يقتضينا من الوقت يا مولاي؟ - عاما أو عامين أو ثلاثة أعوام .. ماذا يهم الزمن ما دامت هذه هي الوسيلة الوحيدة .. ينبغي أن يتحول النيل شمال فربتتس إلى مجرى جديد يتجه غربا نحو مندس، كي يختار أبوفيس بين الموت جوعا وظمأ أو الخروج لقتالنا، وسيغفر لي شعبي أني عرضت من في هواريس من المصريين للخطر والهلاك، كما غفر لي أني فعلت ذلك ببعض نساء طيبة.
26
وتهيأ أحمس للعمل العظيم فاستدعى مهندسي طيبة المشهورين، وعرض عليهم فكرته فتوفروا على دراستها باهتمام وشغف، ثم قالوا للملك: إن فكرته ممكن تنفيذها على شرط أن يفسح لهم من الزمن ويمدهم بآلاف العمال، وعلم أحمس أن مشروعه لن يتحقق قبل مضي عامين فلم يركن إلى اليأس، ولكنه بعث بالرسل إلى البلدان يحثون على التطوع في العمل العظيم المنوط به تحرير الوطن وطرد عدوه بتحقيقه، وجاء العمال جماعات من جميع الأنحاء حتى اجتمع منهم عدد يكفي للبدء في العمل، وافتتح الملك المشروع العظيم فأمسك فأسا وضربه في الأرض معلنا ابتداء العمل، فتبعته السواعد المفتولة التي تكد على سجع الأناشيد والأغاني.
ولم يكن أمام الملك وجيشه سوى الانتظار الطويل، وكان الجنود يقومون بتدريبهم اليومي تحت إشراف الضباط والقواد، أما الملك فكان يزجي فراغه بالخروج إلى الصحراء الشرقية طلبا للصيد والطراد والسباق، وفرارا من نوازع قلبه ونزوات هواه، وفي فترة الانتظار هذه حمل إليه رسول رسالة من الأم المقدسة توتيشيري قالت فيها: «مولاي ابن آمون، فرعون مصر العليا والسفلى، حفظه الرب وأيده بالنصر والفوز، إن دابور الصغيرة اليوم جنة من جنان السعادة والأفراح بفضل ما حمله إليها رسلك من أنباء النصر المبين الذي فتح به الرب عليك، وإن انتظارنا اليوم في دابور غير انتظارنا بالأمس؛ لأنه محفوف بالعزاء وأدنى إلى الرجاء والأمل، وما أسعدنا جميعا أن نعلم أن مصر حررت من الهوان والعبودية، وأن عدوها ومذلها حبس نفسه بين جدران حصنه، ينتظر خانعا القضاء الذي تقضي به عليه.
وقد شاء الرب القدير أن يحبوك - أنت الذي أذللت عدوه، وأعليت كلمته - بعطفه ورحمته، فرزقك بغلام نورا لعينيك ووليا لعهدك، دعوته أمنحتب تبركا بالرب المعبود، وقد تلقيته بيدي كما تلقيت أباه وجده وجد أبيه من قبل، وقلبي يحدثني بأنه سيكون ولي عهد مملكة عظيمة متعددة الأجناس واللغات والأديان، يرعاها أبوه الحبيب».
وخفق قلب أحمس خفقان الأبوة ودرت أضلعه الحنان، وفرح فرحا عظيما أنساه بعض ما يعاني من آلام الهوى المكبوت، وآذن رجاله بمولد ولي عهده أمنحتب فكان يوما مشهودا.
27
Unknown page