واحتضن عبد الواحد إبراهيم ودمعتان تطفران إلى عينيه ما يدري أدموع فرح بصديقه أم إعجاب به. - نعم الرجل ونعم الصهر أنت، ونعم الأخ. أسألها إن شاء الله. وسأجتهد أن أكون في سؤالي وفي نقلي لحديثها إليك قريبا من أمانتك؛ أمانتك مع نفسك ومع الصداقة. قم بنا .
وقال إبراهيم وهو يربت ظهر عبد الواحد: هيا، وفقك الله، وجعل الخير على يديك.
لم يكن شعور روحية أقل من شعور إبراهيم؛ فقد كان قلبها يجيش إليه بألوان من الحب شتى. وكان حبا منطلقا لا يقيده ما يقيد حب إبراهيم من محاذير. كانت تحب وكفى، وتلقي إلى المقادير مصائر هذا الحب. ولم تكن في حاجة إلا أن تستوثق من حب إبراهيم لها؛ فإن للفتيات إلى أعماق القلوب نظرة لا تخطئ، وللفتيات قدرة على إخفاء مشاعرهن؛ فإبراهيم معذور إن استبهم به الطريق ولم يصل إلى حقيقة حبه في قلب روحية. أما الشباب فهو في إخفاء الحب ساذج، وإن له دائما من نظراته ولفتاته وقسمات وجهه ما يفضحه، فما بعجيب أن تدرك روحية مدى حبها في قلب إبراهيم، وما بعجيب أن يجهل هو إن كانت تحبه أو لا تشعر به.
قال لها عبد الواحد: ما رأيك في إبراهيم يا روحية؟
وانبهرت روحية وأطبقت عليها الحيرة. أيكون عبد الواحد قد اطلع على خفايا فؤادها، أو يكون إبراهيم قد باح بحبه البكر إلى صداقته الخالصة عند عبد الواحد؟ وجمعت حروفا كونت جملة مترددة متهدلة غير واضحة المعالم: ما معنى هذا السؤال؟
وفي حسم الأخ وفي أمانة الصادق الذي لا يعرف كيف يدور بالحديث: يريد أن يتزوج بك. نعم تلميذ ويتزوج، يريد أبوه أن يفرح به.
وانفجرت فرحة على معالم روحية جميعا وهي تقول في سعادة ذات نغم: وأنا ما شأني، لماذا لم يكلم أبي؟ - عرفت الجواب إذن؛ فقد كان حبيبي إبراهيم متحرجا أنك قد تقبلينه من أجل صداقته بي أو من أجل صداقة أبيه بأبيك. - وماذا رأيت؟ - رأيت ما يرضي ضميري.
وتخاذلت روحية؛ فقد أدركت أنها فشلت في إخفاء مشاعرها. - إياك يا عبد الواحد أن تنقل ما رأيت مني إلى ... إلى ... إلى إبراهيم أو إلى أبي. - سرك معك لم يبرحك. وتعالي أقبلك لأكون أول من هنأك.
وقبل الأخ أخته.
وأقيمت الأفراح، وتزوج إبراهيم من روحية. وما هو إلا شهر حتى حملت روحية حملها الأول ، ولكن الأقدار شاءت، في إرادة لا يعلمها إلا صاحب النفوس وبارئها ومعطيها وآخذها، أن يموت إبراهيم، وزوجته في شهور الحمل لم تزل. وكأن إبراهيم قد ولد ليهب الدنيا هذا الولد الساعي إلى الحياة من السموات العلا!
Unknown page