Khulasa Yawmiyya Wa Shudhur
خلاصة اليومية والشذور
Genres
نعرف أن المنزل مقسم تقسيما حسنا إذا علمنا أولا أنه محل معد للمأوى، ثم علمنا ثانية أنه صالح تماما لهذا الاستعمال.
قال فلتير فيما نقله عن الأستاذ في صفحة 499 من هذا الجزء: «إني إذا رأيت ساعة يشير عقربها إلى الأوقات المختلفة، أستنتج من ذلك بأن لا بد من أن يكون عقلا «هكذا» قد رتب لوالب هذه الآلة حتى استطاع العقرب أن يدل على الساعات دلالة حقيقية، وكذلك إني إن تأملت في آلات الجسم الإنساني أستنتج أن لا بد أن يكون عقلا «هكذا» قد نظم أجزاءه وأجهزته وجعله قابلا لأن يتغذى في الرحم تسعة أشهر متوالية، وأنه قد متع بأعين لينظر بها وبأيد ليتناول بها، إلخ.»
وأذكر أني قرأت مثل هذا الكلام لروسو، ولكن روسو عكس المثل فاستدل من تركيب لوالب الساعة على أنه لا بد أن تكون وراءها غاية مقصودة، وهو استدلال مردود؛ إذ يجب أن تعلم الغاية أولا ثم يستنتج النظام أو عدم النظام بالنسبة إليها، ولكن دعنا الآن في كلام فلتير.
ففلتير جزم بأن الساعة صنعة عاقل؛ لأنه تحقق أنها مقصودة لقياس الوقت، فما هي إذن تلك الغاية التي تبين له أنها مقصودة بخلق العالم؟ وهل يعقل أن يحكم على شيء بأنه محكم، أي أنه يؤدي الغاية منه تمام الأداء، من غير أن نعرف ما هي تلك الغاية؟
ثم لماذا لا نقول مثلا: إن الجنين لو لم يستقر في الرحم مدة الحمل لما تمتع بالحياة، وإنه لو لم تتولد له أجهزة لما كان حيوانا، وإن العين لو لم تكن بهذه الدقة لما أبصرت، واليد لو لم تكن بهذا الوضع لما تناولت ... إلخ؟ بدلا من أن نفترض افتراض فلتير ...
ثالثا:
الإحكام الشامل والتطابق التام اللذان لا بد يشيران إلى القصد مفقودان من الكون، فأين هو ذلك الشيء الذي نراه ولا نود أن يصير أكمل مما هو؟ فالأجرام السماوية تتصادم في كل فترة فتتساقط في الفراغ، وهذه الأرض التي نحن عليها لا شيء يمنع أن تصطدم الساعة بمذنب أو سيار تائه في الفضاء فتلحق بالأجرام التي اندثرت من قبلها، ونواميس الطبيعة تثير نكباتها وطوفاناتها وأوبئتها وحرائقها، فتدمر ما عملت فيه نواميس أخرى ملايين السنين، ولا يتلف ما بدأ في صنعه إلا من يعمل مضطرا في الحالتين، وهم يقولون: أكذلك تكون أعمال المدبر المريد؟ وهذا الكون ليس في الحاضر وما كان في وقت مضى محكما حيث لا موضع فيه للخل، أو كاملا حتى لا شائبة فيه للنقص؛ فهو يتدرج في الرقي فيسد نقصا قديما ويأخذ في تكمل جديد، ونحن نعلم العوامل التي تدفعه إلى الرقي فكلها منه وإليه، فنظامه هذا البديع قد استفاده بذاته أي بعوامله ونواميسه من اختلاله ذاك، وما هذا النظام بأدل على الإعجاز من ذلك الاختلال؛ لأنهما كلاهما أثر لتلك العوامل والنواميس القسرية. وما قال أحد إن الكون انتظم اليوم لأن الله موجود، وإنه كان مختلا بالأمس لأنه لم يكن موجودا.
رابعا:
إذا قيل: إن الإنسان غاية الوجود، كما يفهم من اعتقادهم أن أعمال الإنسان وحدها هي كل ما ينظر إليه من هذا الوجود بعد انقضائه، فلماذا لم يرتب هذا العالم بحيث يوافقه كل الموافقة؟ وإذا كان الإنسان أحقر من أن يوضع الكون حسب ما يلائمه، فلماذا إذن خلقت من أجله كل هذه العوالم التي لا نهاية لها؟ وكيف لا يكون ذلك الشأن لمن خلق من أجله العالم الأول والعالم الأخير؟
خامسا:
Unknown page