أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . (11) خطبة عبيد الله بن زياد
صعد المنبر بعد موت يزيد بن معاوية، وحيث بلغه أن سلمة بن ذؤيب قد جمع الجموع يريد خلعه، فقال:
يا أهل البصرة انسبوني، فوالله ما مهاجر أبي إلا إليكم، وما مولدي إلا فيكم، وما أنا إلا رجل منكم، والله لقد وليكم أبي وما مقاتلتكم إلا أربعون ألفا فبلغ بها ثمانين ألفا، وما ذريتكم إلا ثمانون ألفا فبلغ بها عشرين ومائة ألف، وأنتم أوسع الناس بلادا وأكثره جنودا وأبعد مقادا، وأغنى الناس عن الناس. انظروا رجلا تولونه أمركم يكف سفهاءكم، ويجبي لكم فيئكم، ويقسمه فيما بينكم، فإنما أنا رجل منكم.
فلما أبوا غيره قال:
إني أخاف أن يكون الذي يدعوكم إلى تأميري حداثة عهدكم بأمري. (12) خطبة يزيد بن الوليد ابن عبد الملك
قال بعدما قتل ابن عمه الوليد بن يزيد:
أيها الناس، والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفس ، وإني لظلوم لها، ولقد خسرت إن لم يرحمني ربي، ولكنني خرجت غضبا لله ودينه وداعيا إلى الله وسنة نبيه لما هدمت معالم الهدى، وأطفئ نور التقوى، وظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، مع أنه والله ما كان يؤمن بيوم الحساب ولا يصدق بالثواب والعقاب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفئي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، حتى أراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد بحول الله وقوته لا بحولي وقوتي.
أيها الناس، إن لكم علي أن لا أضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة، ولا أكري نهرا، ولا أكنز مالا، ولا أعطيه زوجا ولا ولدا، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسد فقر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل فضل نقلته إلى البلد الذي يليه ممن هو أحوج إليه منه، وأن لا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما أجليهم به عن بلادهم وأقطع نسلهم، ولكن عندي أعطياتكم في كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين؛ فيكون أقصاهم كأدناهم، فإذا أنا وفيت لكم فعليكم بالسمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكاتفة، وإن أنا لم أوف لكم، فلكم أن تخلعوني إلا أن تستتيبوني، فإن أنا تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحدا يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم فأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته.
أيها الناس، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. (13) الحجاج بن يوسف
خرج الحجاج يريد العراق واليا عليها في اثني عشر راكبا على النجائب، حتى دخل الكوفة فجأة حين انتشر النهار، فبدأ الحجاج بالمسجد فدخله، ثم صعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء، فقال: علي بالناس. فحسبوه وأصحابه خوارج، فهموا به حتى إذا اجتمع الناس في المسجد قام فكشف عن وجهه ثم قال:
Unknown page