هل استطعت أن أحرك عواطفكم، وأهدئ ثائرتكم، وأجد سبيلا إلى قلوبكم؟ نعم، أتجرأ على الافتخار بذلك، فإن نور الرحمة يتدفق من وجوهكم، وهذه الدموع الجائلة في الآماق دليل عليها. إذن فلنجن ثمار هذا الكرم الذي أظهرتموه والرحمة التي أبديتموها بالارتماء على أعتاب الأمير، أو بالأحرى فلنجثو هنا أمام الله ليتنازل ويلين قلب الأمير.
مهما تكن جريمة الرجل فاليوم يوم الرحمة لا العدل، والشفقة لا الانتقام، واللين لا الشدة، فلننس الإساءة، ولنسأل الله للآثم غفرانا وعمرا طويلا؛ ليكون له متسع من الوقت للندم والتوبة والتكفير. (7) بوسويه
من تأبين هنريت فرنس ملكة إنجلترا
مولاي
1
إن المستوي على العرش في العلاء الذي به تقوم الممالك، والذي وحده له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير؛ هو وحده يضع الأحكام للملوك، ويسن لهم النظم، ويلقي عليهم متى شاء دروسا عظيمة هائلة، وهو الذي يرفع العروش ويثلها، ويخلع السلطة على الأمراء أو عنهم؛ ليدلهم على واجباتهم نحوه مظهرا لهم بهذا الأخذ والمنع أن كل عظمتهم مستعارة، وأنهم لا يزالون في قبضة يده وتحت إمرته، هكذا يعلم الملوك لا بالخطب وحدها بل بالنتائج والعبر.
أيها المسيحيون الذين أقبلوا من كل صوب وحدب لذكرى ملكة عظيمة هي بنت ملوك، وزوجة ملوك، ووالدة ملوك. سيريكم هذا الخطاب مثلا من تلك الأمثلة الهائلة التي تظهر بطلان العالم. سترون في حياة واحدة كل نهايات الأشياء الدنيوية؛ السعادة التي لا حد لها، والشقاء الذي لا شقاء بعده، سترون أعظم تيجان العالم، وأبهى ما عقده تالد المجد وطريفه على رأس إنسان هدفا لتقلبات الزمان وغير الحدثان. سترون بعد الانتصار عبث الثورة والاختلال والظلم. سترون ملكة هاربة من ممالكها الثلاث ولا مأوى لها ولا مجير. سلسلة أسفار في عرض البحار وسط الزوابع والأمطار. عرش يثل بلا حق ثم يعاد بأعجوبة . تلك هي الدروس التي يلقيها الله على الملوك؛ ليظهر للعالم زوال مجده وبطلان عزه، وإذا قصر اللسان عن إيفاء هذا الموضوع حقه من البيان، فالأشياء ناطقة لنفسها، وأبلغ منا جميعا قلب هذه الملكة الذي سما إلى أعلى ذروات المجد، ثم هوى إلى أسفل دركات الشقاء. (8) لاكوردير
خطيب نوتردام كان يحرر مع لامنه في جريدة المستقبل، فحوكم الاثنان بتهمة التشنيع بالحكومة والحض على العصيان وبرئا، قال في مطلع دفاعه عن نفسه يوم المحاكمة:
أيها السادة
أقف فيكم وبي ذكريات لا تحول ولا تزول، فقد كان الكاهن فيما مضى يحمل إلى الشعب شيئا مما يبعث على الحب، أما اليوم فإني أشعر أمام الاتهام أن اسمي أبكم، وكهنوتي لا يجدي في الدفاع عني فتيلا، لقد جرد الناس الكاهن من هذا الحب القديم الذي كان له في نفوسهم، وذلك عندما تجرد هو نفسه من خلقه السامي فلم يعد رجل الله ولا رجل الحرية. لقبان لا يفترقان في ذهن البشر ولا في مقادير العناية. عروتان أزليتان تربطان الهيكل بالعالم، ولا يمكن الفصل بينهما دون أن يشهد الكاهن موت الإله الذي يعبده والحرية التي أنكرها.
Unknown page