Khitab Wa Taghayyur Ijtimaci
الخطاب والتغير الاجتماعي
Genres
أبدأ الآن فحص كيفية استعمال كلمة «المبادرة» (الفردية) في خطب اللورد ينج، وزير التجارة والصناعة في حكومة السيدة ثاتشر (1985م-1988م)، وأحد الشخصيات البارزة في تصوير تلك الحكومة ل «ثقافة المبادرة» (الفردية) (انظر فيركلف، 1990م، أ، حيث تفاصيل الخطب والمزيد من التحليل). ولقد سبق لي من قبل أن أشرت إلى هذا المثال في الفصل الرابع إيضاحا للتحولات التناصية؛ ولكنني أفحصه هنا خصوصا باعتباره مثالا لمعالم معنى الألفاظ، وهو مثال يوضح كيف يمكن استثمار معنى كامن أيديولوجيا وسياسيا في غضون التكوين الخطابي لمفهوم ثقافي أساسي.
وتتعلق الملاحظات التالية بلفظ «المبادرة» (الفردية) باعتباره «اسم جنس»، أو اسما لا جمع له من لفظه (ك «الإنسان» بالعربية) أي باعتباره نوعا من الأسماء التي لا توجد إلا بصيغة المفرد، ولا تسبقها بالإنجليزية أداة تنكير (كويرك وآخرون، 1972م، 130)، ولكن «المبادرة» (الفردية) يمكن أن تستخدم اسما مفردا وله جمع («مبادرة» (فردية) و«مبادرات» (فردية) مثلا). ووفقا لمعجم أوكسفورد الكبير للغة الإنجليزية، نجد أن هذا اللفظ باعتباره اسم جنس له ثلاثة معان أصفها بأنها تختص به من زاوية «النشاط»، و«النوع»، و«التجارة»، وهي: (1)
النشاط: «الإقدام على أعمال جسورة أو شاقة أو هائلة.» (2)
النوع: «الميل أو الاستعداد إلى الاشتغال بأعمال تتميز بالصعوبة أو المخاطرة أو الخطر؛ جرأة الروح أو الهمة العالية.» (3)
التجارة:
هذا هو المعنى الذي تكتسبه «المبادرة» عندما توصف بأنها خاصة أو حرة، أي باعتبارها مشروعا تجاريا خاصا.
وأنا أشير إلى هذه المعاني الثلاثة مجتمعة باعتبارها معنى «المبادرة» (الفردية)، ولكن المعنى الخاص بالنوع يتضمن تضادا بين الصفات المتعلقة بالنشاط التجاري تحديدا (مثل القدرة على استغلال فرصة سانحة في السوق)، وبين الصفات الشخصية الأعم (مثل الاستعداد لخوض المخاطر).
وتستخدم كلمة «المبادرة» (الفردية) في خطب الوزير ينج بمعناها التجاري، ولكن من دون أن توصف بأنها «خاصة» أو «حرة»، وهو ما يزيد من الالتباس في معنى الكلمة؛ فمن ناحية المبدأ نجد أن أي استعمال للكلمة يسمح بتفسيرها بأي معنى من هذه المعاني الثلاثة أو بمعنى يجمع بين أكثر من معنى منها. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن معظم استعمالات «المبادرة» (الفردية) ذوات معان ملتبسة وتفيد الجمع بين المعاني الثلاثة ، فإن السياق يقلل من إمكان هذا الالتباس، بما في ذلك السياق اللغوي المباشر الذي تقع فيه الكلمة إلى حد ما. وللسياق اللغوي نوعان من التأثير؛ النوع الأول استبعاد معنى واحد أو أكثر، والنوع الثاني الإبراز النسبي لأحد المعاني من دون استبعاد المعنيين الآخرين، وسوف ترد الأمثلة على ذلك أدناه.
ويشكل المعنى الكامن للفظ «المبادرة» (الفردية) وإمكان التباس معناه «موردا» يستغله الوزير ينج في خطبه استغلالا استراتيجيا. فاختلاف الخطب يؤكد المعاني المختلفة لا بتشجيع معنى دون سواه، بل بتشكيل تجمعات معينة من المعاني، ومراتب معينة للعلاقات البارزة من بين معاني «المبادرة» (الفردية)، وهي التي يمكن أن تعتبر مناسبة لأهداف استراتيجية أوسع نطاقا، وخصوصا الإسهام في إعادة تقدير قطاع الأعمال الخاص الذي فقد بعض الثقة فيه بإقامة رابطة بين المشروعات التجارية الخاصة وبين الصفات التي تتمتع بقيمة ثقافية عالية لعلو الهمة، ويعتبر هذا مثالا للتداخل الخطابي الاستراتيجي، بسبب تأكيد عناصر مختلفة من المعنى الكامن للكلمة في الأنماط المختلفة للخطاب.
وفيما يلي مثال من خطاب ألقاه الوزير ينج في مارس 1985م، إذ قال: «مهمة الحكومة إيجاد الجو الذي يمكن للمبادرة (الفردية) تحقيق الرخاء فيه»، وتقع هذه الجملة مباشرة بعد فقرة تشير إلى المشروعات التجارية الخاصة، ومن ثم فهي تبرز المعنى التجاري من دون إقصاء المعاني الأخرى، أي إن المرء يمكن أن يستعيض عن لفظ «المبادرة» (الفردية) بأحد التعبيرات الثلاثة (المشتركة في معنى اللفظ) وهي «المشروعات التجارية الخاصة»، و«أنشطة المبادرات» و«الأفراد ذوو الهمم العالية»، من دون إحداث تناقض دلالي في السياق اللغوي للجملة. وفي حالات أخرى في الخطاب نفسه تنشأ علاقات الإبراز من خلال جوانب أخرى للسياق اللغوي، كأن يكون ذلك مثلا من خلال الربط بين «المبادرة» (الفردية)، وبين تعبيرات أخرى مثل «المشروعات التجارية الخاصة ومهمة خلق الثروة»، فهذه عبارة تؤكد المعنى التجاري، وأما عبارة «المبادرة الفردية والهمة العالية» فهي تؤكد المعنى الخاص بالنوع، وإن كان السياق اللغوي السابق يضعها في طرف السلم الخاص ب «الصفات التجارية».
Unknown page