Khitab Wa Taghayyur Ijtimaci
الخطاب والتغير الاجتماعي
Genres
سوف أقول في تحليلي لهذه الشذرة المقتطعة من مقابلة شخصية: إنها مزيج من المقابلة الطبية وجلسة إسداء المشورة. وفي إطار هذا المزيج ماذا يقول التتابع للمفسر عن سؤال الطبيب في دوره الأول؟ نعرف في المقابلات الطبية التقليدية أن السؤال الذي يسأله الطبيب فور إشارة المريض إلى حالة مرضية قد تكون خطرة (وهي إدمان شرب الخمر هنا)، من الأرجح أن يفسر على أنه استقصاء طبي يتطلب الانتباه الكامل من كلا المشاركين، وأما في جلسة إسداء المشورة، فإن مثل هذا السؤال يمكن تفسيره بروح المحادثة، أي باعتباره سؤالا عارضا يدل على أن المستشار ملم بمشاكل المريض. وفي الشذرة المقتطفة يبدو أن المريضة تعتبره سؤالا عارضا، فهي تجيب إجابات آلية تتكون من كلمات مفردة عن السؤال الرئيسي وإقرار الطبيب للإجابة (وربما محاولة التحقق من صدقها)، ثم تغير القصة مرة أخرى؛ لتحكي بعض الأحداث الأخيرة. واتخاذ مثل هذا القرار التفسيري يقتضي أن تحيط المريضة بمعلومات أكثر عن التتابع، أي إنها تحتاج إلى إصدار حكم على حادث اجتماعي، والعلاقة الاجتماعية بينها وبين الطبيب، ونمط الخطاب أيضا. وهذا يعني أن لدينا صورة لعمليات الخطاب وتفسيره تتسم بتعقيد يزيد على ما هو مفترض عموما في تحليل المحادثات، أي صورة يمكن أن تتسع مثلا لمحاولات منتجي النص ومفسريه شق طريقهم داخل مخزونات أنماط الخطاب. ويوحي هذا المثال أيضا بأن التحليل نفسه عملية تفسير، ومن ثم فهي ممارسة خلافية وإشكالية، ولكننا لا نكاد نجد شيئا من هذا في تحليل المحادثات. ومع ذلك، فإن المحللين يميلون، مثل سنكلير وكولتارد، إلى تفسير البيانات استنادا إلى وجود توجه مشترك بين المتحادثين نحو نمط خطابي واحد (ولكن انظر جيفرسون ولي، 1981م)، ومن الآثار الناجمة عن ذلك رسم صورة للمحادثة تتميز بالتناغم المبالغ فيه والتعاون الوثيق.
أضف إلى هذا تجاهل السلطة باعتبارها عاملا في المحادثات، ففي عمليات التفاوض التي أشرت إليها يتمتع بعض المشاركين، عادة، بقوة أكبر من غيرهم. وفي الكثير من أنماط الخطاب (مثل خطاب قاعة الدرس) لا نجد قواعد مشتركة لتناوب الكلام، حيث يتمتع المشاركون بالمساواة في الحقوق والالتزامات، بل نجد توزيعا متفاوتا للحقوق (مثل الحق في أن يختار المتحدث نفسه، أو أن يقاطع المتحدث، أو أن يواصل الحديث عبر أدوار عديدة) والالتزامات (مثل القيام بدوره في الحديث إذا رشح لذلك)، وفي أمثال هذه الحالات يتضح لنا أن إنتاج الخطاب جزء من عمليات أوسع نطاقا، أي عمليات إنتاج الحياة الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية، والهويات الاجتماعية، ولكن جانبا كبيرا من تحليل المحادثات الذي يقدم تفسيرات متناغمة للتفاعل بين الأنداد يعطينا الانطباع بأن إنتاج الخطاب غاية في ذاته.
وعلى الرغم من اختلافهما في نقاط الانطلاق البحثية والتوجهات النظرية، فإن مدخل سنكلير وكولتارد يشارك مدخل تحليل المحادثات نقاط القوة وأوجه القصور؛ إذ إن كليهما قد أسهم إسهاما كبيرا في إيجاد تقدير جديد لطبيعة المباني في الحوار، وإن كان كل منهما يتسم بغياب التوجه الاجتماعي الناضج للخطاب (وفي هذا الصدد يعاني تحليل المحادثات من أوجه النقص نفسها عند سنكلير وكولتارد)، ولا يقدم أيهما وصفا مقنعا لعمليات الخطاب والتفسير، وإن كان تحليل المحادثة يقدم نظرات ثاقبة في جوانب معينة من التفسير. (3) لابوف وفانشيل
يعتبر كتاب لابوف وفانشيل (1977م) دراسة اشترك في إعدادها عالم من علماء اللغة وعالم من علماء النفس لخطاب المقابلة الشخصية الخاصة بالعلاج النفسي، وخلافا لموقف سنكلير وكولتارد، وموقف تحليل المحادثات، يفترض لابوف وفانشيل أن الخطاب غير متجانس، وهما يريان ذلك دليلا على «التناقضات والضغوط» (ص35) الناشئة عن ظروف المقابلة الشخصية، وهما يتفقان مع جوفمان (1974م) على أن التنقل بين «الأطر» من المعالم العادية في المحادثة، ويحددان في المادة التي يدرسانها تركيبا من أساليب مختلفة ترتبط بأطر مختلفة، مثل: «أسلوب المقابلة الشخصية»، و«أسلوب الحياة اليومية»، اللذين يستخدمان في قصص المرضى عما جرى «في الدنيا منذ الزيارة الأخيرة» (والحرف «ق» يرمز في المثال للقصة) وأسلوب الأسرة (التي يرمز له بحرف أ) هو الأسلوب الذي عادة ما يستخدم في الحالات «الأسرية» للتعبير عن المشاعر الجارفة.
وهما يقسمان المقابلات الشخصية إلى «قطاعات» تتفق في مداها تقريبا مع «المبادلات» عند سنكلير وكولتارد، وإن كانت هذه القطاعات يمكن أن تكون أيضا أجزاء من المونولوجات. وتحليل القطاعات يؤكد وجود «تيارات اتصال» لغوية وشبه لغوية، والصفة الأخيرة تشمل بعض ملامح الكلام مثل طبقة الصوت، ودرجة ارتفاعه، وبعض مميزاته مثل «التهدج»، وحمله معاني مضمرة «ينكرها» المتكلم. ومن المتغيرات بين أنماط الخطاب الأهمية النسبية للقناة شبه اللغوية، ففي الخطاب العلاجي يعتبر التناقض بين المعاني الصريحة للقناة اللغوية، والمعاني المضمرة للقناة شبه اللغوية من المعالم الأساسية.
والتحليل يقدم «توسيعا» لكل قطاع، أي إعادة صوغ للنص قادرة على التصريح بما هو مضمر، بالإشارة إلى الأسماء التي تحيلنا إليها الضمائر، والإفصاح عن المعاني المضمرة التي تدلنا عليها المفاتيح شبه اللغوية، وإدراج المادة الحقيقية ذات الصلة بالموضوع من أجزاء أخرى من البيانات، والتصريح ببعض المعرفة التي يشترك فيها المتحدثون. وحالات التوسع المذكورة غير محدودة، ويمكن زيادة تفاصيلها إلى ما لا نهاية. وفيما يلي نموذج نصي، يتضمن التحليل من حيث أساليبه، وصورته الموسعة (ق: قصة، أ: أسرة). < ق وهكذا - عندما اتصلت بها اليوم قلت < أ «والآن، متى تعتزمين أن تأتي إلى البيت؟» > أ > ق. < ق عندما اتصلت بوالدتي اليوم (الخميس) قلت لها في الواقع < أ «والآن، فيما يتعلق بالموضوع الذي يعرف كلانا أنه مهم ومصدر قلق لي، متى تتركين منزل أختي حيث (2) اكتمل الوفاء بالتزاماتك و(4) تعودين إذ إنني أطلب مجيئك إلى بيت، حيث (3) تتعرض التزاماتك الأولية للتجاهل، ما دام ينبغي لك أن تفعلي ذلك باعتبارك (الأم الرئيسة) وترؤسين أسرتنا؟» > أ > ق.
الرموز في الأقواس المجعدة تسبق المقولات التي تقبل كما هي، وبعض هذه خاصة بتفاعل محدد، وبعضها الآخر مثل «الأم الرئيسة»، أي «الأم هي رأس الأسرة»، تترتب عليها دلالات عامة في الثقافة بالنسبة لالتزامات الدور؛ إلى جانب رموز أخرى تنتمي إلى الافتراضات الدائمة للعلاج (مثل مقولة: «المعالج لا يأمر المريض بما ينبغي أن يفعله») أو للثقافة (مثل: «على المرء أن يعتني بنفسه») ونادرا ما تصاغ المقولات صياغة صريحة، ومع ذلك فإن القضية الرئيسية في أي تفاعل قد تتمثل في البت فيما إذا كان الحادث يمثل إحدى المقولات أو لا يمثلها، أضف إلى ذلك أن المقولات تشكل روابط مضمرة بين أجزاء التفاعل، ولها أهميتها في تحقيق ترابط معناه.
إذن فإن تحليل القطاع يقول إنه تفاعل (ومعناه «الفعل الذي يؤثر في العلاقات بين النفس والآخرين») ومن المفترض أن أي كلام منطوق يؤدي في الوقت نفسه عدة أفعال ذات ترتيب هرمي بحيث تقوم الأفعال في المستويات الدنيا بتنفيذ الأفعال في المستويات العليا (وهذه العلاقة يبينها استخدام تعبير «ومن ثم» في المقتطف الوارد أدناه)، وهكذا يقول المقتطف الوارد أعلاه (وبعد تبسيط ما وضعه لابوف وفانشيل):
تواصل رودا (المريضة) القصة، وتقدم معلومات لدعم زعمها أنها نفذت الاقتراح «ح». وتطلب رودا معلومات بشأن الوقت الذي تعتزم والدتها فيه العودة إلى المنزل، ومن ثم تطلب من والدتها بصورة غير مباشرة أن تعود للبيت، ومن ثم تنفذ الاقتراح «ح»، ومن ثم تتحدى والدتها بصورة غير مباشرة بسبب تقاعسها عن القيام بدورها كما ينبغي باعتبارها رئيسة الأسرة، معترفة في الوقت نفسه بأوجه قصورها، وزاعمة في الوقت نفسه مرة أخرى أنها نفذت الاقتراح.
وأما المقولة «ح» فهي اقتراح (المعالج) بأنه ينبغي لكل فرد أن يعبر عن حاجاته للآخرين، وأمثال هذا التصوير تستند إلى قواعد الخطاب التي اقترحها لابوف وفانشيل لتفسير الأشكال السطحية للأقوال المنطوقة، باعتبارها أنواعا معينة من الأفعال، فهما يتحدثان مثلا عن قاعدة «الطلب غير المباشر»، وهي التي تحدد الشروط التي تجعل الأسئلة («طلب المعلومات») تعتبر طلبات للقيام بفعل معين، ويختتم التحليل ب «قواعد التتابع» اللازمة للربط بين القطاعات.
Unknown page