Khitab Wa Taghayyur Ijtimaci
الخطاب والتغير الاجتماعي
Genres
المعلم :
تضحك من لا شيء؟ لا شيء على الإطلاق؟
التلميذ :
لا.
الأمر مضحك فعلا؛ لأنهم لا يخطر لهم ذلك كأنما لم يكونوا حاضرين، وربما لم يحبوا ذلك، والكلام يفصح عن موقف متحذلق.
ويرى سنكلير وكولتارد أن هذا يدل على سوء تفسير التلميذ للحال؛ إذ يتصور أن سؤال المعلم عن الضحك يقصد به التأديب لا الحوار، ولكن أمثال هذه النماذج تشير أيضا إلى إمكان تعدد الجوانب في خطاب قاعة الدرس، وإلى تعايش مجموعة من أنماط خطاب قاعة الدرس في المدارس، وهو ما ينبغي لمنتجي النص ومفسريه أن يأخذوه في حسبانهم، ويعني هذا، ضمنا، ضرورة الانتباه إلى العمليات الخطابية، وإلى التفسير والإنتاج، وأما التركيز عند سنكلير وكولتارد فينصب على النصوص باعتبارها من نواتج الخطاب (وإن كانت فئة التكتيك توحي بدرجة من الانتباه إلى التفسير)، ويؤدي هذا أيضا إلى جعل موقفها من التحليل إشكاليا ما دام المحللون يفسرون النصوص ولا يكتفون بوصفها. ولنسأل: أفلا يفسر سنكلير وكولتارد فعلا بياناتهما حتى حين يزعمان أنهما يصفانها فحسب؟ أفلا يفسرانها من وجهة نظر المعلم حين يريان مثلا أن التلميذ يسيء فهم المعلم بدلا من إبدائه عدم الالتزام (أو الحياد) في الرد على سؤال يحتمل إجابتين من المعلم؟ فتعبير «لا شيء» في الواقع يحتمل أكثر من دلالة، ومن الممكن أن يعني «لا أستطيع أن أخبرك بما يجعلني أضحك هنا»، ويثير هذا مشكلة أخرى في هذا الإطار؛ إذ إنه يفرض قرارات معينة بشأن وظائف الأقوال، في حين أن الأقوال في الواقع كثيرا ما تحمل وجهين للمعنى، لا أن تتصف بالغموض وحسب، على نحو ما تبينه الأبحاث الحديثة في التداولية (انظر لفنسون، 1983م)، أي إن معانيها تستعصي على البت الواضح فيها. (2) تحليل المحادثة
تحليل المحادثة مدخل من مداخل تحليل الخطاب، وضعته مجموعة من علماء الاجتماع الذين يصفون أنفسهم بأنهم «إثنومنهجيين»، ومدخل «الإثنومنهجية» من المداخل التفسيرية في علم الاجتماع، وهو يركز على الحياة اليومية باعتبارها إنجازا قائما على المهارة، وعلى المناهج التي يستخدمها الناس ل «إنتاجها» (جارفينكل، 1967م، وبنسون وهيوز، 1983م). ويميل الإثنومنهجيون إلى تجنب النظرية العامة ومناقشة أو استخدام بعض المفاهيم مثل الطبقية أو السلطة أو الأيديولوجيا وهي التي تمثل أهمية أساسية للتيار الرئيسي لعلم النفس، وبعض الإثنومنهجيين يبدون اهتماما خاصا بالمحادثة وبالمناهج التي يطبقها المتحادثون في إنتاجها وتفسيرها (شنكاين، 1978م؛ أتكنسون وهريتيدج، 1984م)، ويركز محللو المحادثة أساسا على المحادثة غير الرسمية بين الأنداد (مثل المحادثة التليفونية) وإن كانت بعض البحوث الحديثة قد تحولت إلى الأنماط المؤسسية للخطاب، حيث تبدو مظاهر عدم التكافؤ في السلطة بوضوح أكبر (باتون ولي 1987م). ويختلف تحليل المحادثة عن مدخل سنكلير وكولتارد في أنه يبرز العمليات الخطابية، ومن ثم يولي اهتماما أكبر بالتفسير والإنتاج، ولكن مفهوم هذا التحليل للتفسير والعمليات مفهوم ضيق، كما سوف أقيم عليه الحجة أدناه، ويشبه تحليل المحادثات مدخل سنكلير وكولتارد في التوجه نحو اكتشاف الأبنية في النصوص.
وقد وضع محللو المحادثات توصيفات لشتى جوانب المحادثة، مثل فواتح المحادثة وخواتيمها، وكيفية عرض الموضوع، وتطويره وتغييره، وكيف يحكي الناس حكايات في أثناء المحادثات، وكيف ولماذا يعيدون صوغ المحادثة (مثلا بتقديم فحواها أو باقتراح ما توحي به ضمنا). وأما البحوث الخاصة بالتناوب، أي كيف يتناوب المتحادثون أدوار الكلام، فقد كانت باهرة وذات نفوذ كبير، ويقترح ساكس وشيجلوف وجيفرسون (1974م) وجود مجموعة بسيطة من قواعد التناوب التي تمتاز بالصلابة، وتنطبق هذه القواعد عند اكتمال الوحدة المستخدمة في بناء دور المتحدث، إذ يبني المتحدثون أدوارهم بوحدات معينة، كأن تكون الوحدة جملة مركبة، أو جملة بسيطة، أو عبارة، أو حتى كلمة واحدة، ويستطيع المشاركون البت في ماهية هذه الوحدة والتنبؤ بلحظة اكتمالها بدقة كبيرة، والقواعد منظمة على النحو التالي: (1) للمتحدث الحالي أن يختار المتحدث التالي له؛ (2) وإذا لم يفعل ذلك فقد يختار المتحدث التالي نفسه بالبدء في دوره في الحديث؛ (3) فإن لم يحدث هذا فللمتحدث الحالي أن يواصل حديثه. ويقول ساكس وشيجلوف وجيفرسون: إن هذه القواعد تشرح عددا كبيرا من معالم المحادثات التي رصدت، ويضيفون أن حالات التداخل بين المتحادثين تتسم بالقصر بصفة عامة، وبأن عددا كبيرا من حالات الانتقال من متحدث إلى غيره تقع دون فجوات ودون تداخلات، وهلم جرا. وعلى الرغم من عمومية القواعد فإنها تسمح بالتنوع الكبير في بعض معالم المحادثة، مثل نظام أدوار الكلام وطول كل منه.
ويركز تحليل المحادثة تركيزا شديدا على الدلالات المضمرة للتتابع في المحادثة، أي الزعم بأن كل قول منطوق يفرض قيودا على ما يتبعه، و«الثنائيات المتجاورة» - مثل السؤال والإجابة، أو الشكوى والاعتذار - من الأمثلة ذات الوضوح الناصع على هذا، فالسؤال الذي يطرحه أحد المتحادثين يستتبع بالضرورة إجابة من متحدث آخر. ومن الأدلة على أن قولا من «س» يستتبع إشراك «ص» ما يلي: (1) إن أي شيء يقال بعد قول «س» سوف يعتبر خاصا ب «ص» إن كان ذلك ممكنا (والمثال عليه: «هل هذه زوجتك؟» قد تتبعه إجابة تقول «يعنى! إنها ليست والدتي»، ومن المحتمل أن تعتبر هذه العبارة ردا بالإيجاب على السؤال). (2) إنه إذا لم يصدر قول من «ص»، فإن غياب القول سوف يلاحظ، ومن الشائع أن يعتبر أساسا لمعنى مستنبط (فعلى سبيل المثال إذا امتنع المعلمون عن إبداء ردود أفعالهم على إجابات التلاميذ فقد يعني ذلك ضمنا رفض هذه الإجابات)، ويقول أتكنسون وهريتيدج (1984م، 6) «إن كل قول منطوق يقع في موقع يحدده البناء في الحديث»، ومما يترتب على هذا أن تناوب الأدوار يتجلى فيه تحليل الأدوار السابقة، وهو ما يوفر الأدلة الدائمة في النص على كيفية تفسير الأقوال الملفوظة.
ومما يترتب على هذا أيضا أن موقع القول وحده وسط الأقوال المتتابعة يكفي للبت في معناه، ولكن هذا مشكوك فيه إلى حد كبير، لسببين: الأول (1) أن تأثير التتابع في المعنى يتغير طبقا لنمط الخطاب، والثاني (2) أن المشاركين في المحادثة قد يرجعون، كما سبق أن ذكرت في مناقشتي لسنكلير وكولتارد، إلى أنماط خطاب منوعة في أثناء «تفاعلهم»، بحيث يضطر المشاركون، باعتبارهم منتجين ومفسرين، إلى تعديل مواقعهم باستمرار إزاء هذه الأنماط. انظر بناء المقتطف التالي من مقابلة شخصية طبية أقدم في الفصل الخامس تحليلا لها:
Unknown page