الشورى فِي الْإِسْلَام
(أَقُول) وأهم مَا يجب على الإِمَام الْمُشَاورَة فِي كل مَالا نَص فِيهِ عَن الله وَرَسُوله، وَلَا إِجْمَاعًا صَحِيحا يحْتَج بِهِ، أَو مَا فِيهِ نَص اجتهادي غير قَطْعِيّ، وَلَا سِيمَا أُمُور السياسة وَالْحَرب المبنية على أساس الْمصلحَة الْعَامَّة، وَكَذَا طرق تَنْفِيذ النُّصُوص فِي هَذِه الْأُمُور إِذْ هِيَ تخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان. فَهُوَ لَيْسَ حَاكما مُطلقًا كَمَا يتَوَهَّم الكثيرون بل مُقَيّد بأدلة الْكتاب وَالسّنة وسيرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الْعَامَّة وبالمشاورة، وَلَو لم يرد فِيهَا إِلَّا وصف للْمُؤْمِنين بقوله تَعَالَى: ﴿وَأمرهمْ شُورَى بَينهم﴾ وَقَوله لرَسُوله: ﴿وشاورهم فِي الْأَمر﴾ لكفى، فَكيف وَقد ثبتَتْ فِي الْأَخْبَار والْآثَار قولا وَعَملا، وَسبب هَذَا الْأَمر للرسول [ﷺ] بالمشاورة فِي أَمر الْأمة، جعله قَاعِدَة شَرْعِيَّة لمصالحها الْعَامَّة، فَإِن هَذِه الْمصَالح كَثِيرَة الشّعب وَالْفُرُوع وَلَا يُمكن تحديدها، وتختلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان فَلَا يُمكن تقييدها، وَقد ذهب بعض عُلَمَاء السّلف إِلَى أَن النَّبِي [ﷺ] كَانَ غَنِيا عَن الْمُشَاورَة فلولا إِرَادَة جعلهَا قَاعِدَة شَرْعِيَّة لما أَمر الله بهَا، روى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي تَفْسِيره قَوْله تَعَالَى ﴿وشاورهم فِي الْأَمر﴾ أَنه قَالَ: قد علم الله أَنه مَا بِهِ إِلَيْهِم من حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن بِهِ من بعده. وروى فِي الْمَرْفُوع مَا يُؤَيّدهُ فقد أخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس أَن الْآيَة لما نزلت قَالَ رَسُول الله [ﷺ]
" أما إِن الله وَرَسُوله لَغَنِيَّانِ عَنْهَا وَلَكِن جعلهَا الله رَحْمَة لأمتي فَمن اسْتَشَارَ مِنْهُم لَا يعْدم رشدا، وَمن تَركهَا لم يعْدم غيا " أَي شرعها الله تَعَالَى لتحقيق الرشد فِي الْمصَالح وَمنع الْمَفَاسِد فَإِن الغي هُوَ الْفساد والضلال، وَلَكِن الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ناطقة بِأَن النَّبِي [ﷺ] لم يكن مستغنيا عَن غَيره من النَّاس إِلَّا فِيمَا ينزل عَلَيْهِ فِيهِ الْوَحْي وَقَالَ
" أَنْتُم أعلم بِأَمْر دنياكم " رَوَاهُ مُسلم عَن عَائِشَة وَأنس وَقَالَ
" مَا كَانَ من أَمر دينكُمْ فَإلَى، وَمَا كَانَ من أَمر دنياكم فَأنْتم أعلم بِهِ " رَوَاهُ أَحْمد، وَفِي حَدِيث رَافع بن خديج فِي صَحِيح مُسلم أَيْضا أَنه [ﷺ] قَالَ:
" إِنَّمَا أَنا بشر، إِذا أَمرتكُم بشئ من أَمر دينكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء من رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنا بشر " وَهَذَا هُوَ الْمُوَافق لقَوْله تَعَالَى ﴿قل إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوحى إِلَيّ﴾ فَهُوَ ممتاز على الْبشر بِالْوَحْي إِلَيْهِ وَلكنه فِيمَا عداهُ وَعدا مَا يستلزمه بشر يجوز عَلَيْهِ الْأَعْرَاض البشرية، وَيحْتَاج إِلَى غَيره فِي الْأُمُور الكسبية، وَكَونه أكمل لَا يَقْتَضِي أَن يُحِيط بِكُل
1 / 38