Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Genres
إن طريقة تعليم اللغة العربية في مدارسنا غير مجدية وينقصها أشياء كثيرة، ولو أجاد الطالب دراسة لغته لما تورط في الأسلوب الإفرنجي ولما عرب الآداب الأوروبية كلمة كلمة حتى يشوهها بتراكيب غثة ركيكة، ولو صرف الطلبة قليلا من أوقات فراغهم في مطالعة كتب الأدب القيمة وتفهم ما يستعصي عليهم فهمه بدلا من مطالعة الروايات السخيفة الركيكة والمجلات التجارية المنحطة لما تدهور مستوى ثقافتهم اللغوية إلى هذا الدرك المخجل.
وعسى أن يحقق الله آمال أستاذنا في الأدب المصري حتى يرقى ويطوف بالبلاد الأجنبية بعد ترجمته كما ترجم شعر تاجور إلى أغلب اللغات الأجنبية وطبع نحو العشرين، وكان له المحل الأرفع في كل مجتمع وناد، وكما سبقه إلى ذلك شعراء الفرس مثل: حافظ والفردوسي وابن الخيام. (7-1) رد الأستاذ البشري
تعقبني صديقي الأستاذ الجليل القدير محمد كامل حجاج في الخطاب الذي ألقيته في أول اجتماع «لنادي القلم»، فأخذني أولا بالتناقض بين قولي في بعض هذا الخطاب:
أدركت مصر في عهد إسماعيل حظا محمودا من الحضارة فشاعت فيها العلوم، واستوثق الاتصال بينها وبين بلاد الغرب التي كثر روادها من المصريين، وانحدر العديد الأكبر من الغربيين إلى هذه البلاد سياحا ومستوطنين، كما نزحت إليها طائفة من أعيان الأدباء والكتاب السوريين. «بهذا وبهذا وبذلك جعلت الثقافة العامة تتلون بلون جديد، وجعلت الأقلام تستشرف بقدر إلى أسباب الحضارة الحديثة، ولا يفوتكم أن المطالب العسكرية في ذلك الحين لم تصبح مما يستغرق هم القائل، بل لقد انبسط منه فضل كبير للآداب والفنون، وكان أول ما انبعث في هذين البابين الصحافة الشعبية والتمثيل.»
ثم قولي في مقام آخر من الخطاب:
وقام بإزاء هؤلاء جماعة من شبابنا قد استهلكهم الأدب الغربي، فلا يرون أدبا إلا ما قال شكسبير وبيرون وأضرابهما، وأدوا إلينا طريفا من هذا النظم في لغة ليس منها عربي إلا مفردات الألفاظ، ألفاظ يكاد المرء يشهد ما بينها وبين ما قسرت عليه من المعاني من التصافع بالأيدي والتراكل بالأرجل، ولولا ما يرتبطها من مثل قيد الحديد لطار كل منها إلى عشه، فخرج لنا من ألوان التعابير ما لا يؤاتي الذوق الشرقي، ولا يستريح إليه الطبع الغربي.
ووجه التناقض بين هذين الكلامين عند صديقي الأستاذ حجاج أنني اعترفت في الأول اعترافا صريحا لا يخالطه شك بأن الفضل في نهضة الأدب - في العصر الحديث طبعا - راجع إلى اختلاط المصريين بالغربيين والاستنارة بحضارتهم وأدبهم وفنونهم وعلومهم، بينا أنا في الكلام الآخر لا أعترف لشعراء الغرب بفضل واحد ... إلخ.
وبعد فما بي إلا أن أرجو صديقي الأستاذ حجاجا أن يعيد النظر ويثبت التفكير في كلامي ليخرج له - إن شاء الله - متسقا متواردا لا أثر فيه لتناقض ولا لتهافت ولا لاختلاف، ذلك بأنني لم أعرض البتة لشعر الغرب ولا لشعرائه حتى أشيد بذكرهم أو أنتقص أقدارهم، غير أنني زعمت أن دخول الحضارة الحديثة وشيوع أسبابها في عصر إسماعيل، كان لذلك أثره في تهذيب الأقلام والالتفات إلى المعاني الحديثة التي تلابس حاجات العصر ... إلخ.
أما أن يفهم صديقي الأستاذ أنني أغض من شعراء الغرب، وأنتقص من قدر شعرائه لمجرد عرضي لطور من الأطوار التي جاز بها تاريخ الأدب في العصر الحديث، فذلك من التعسف الذي لا أرتضيه لمن كان له مثل فضل الأستاذ حجاج، وكان له في الأدب خطره.
يا لله! ما ذنب شعراء الغرب إذا تهالك على أشعارهم في فترة من الزمن فأدوا إلينا من معانيهم في صور لا ترضي الذوق الغربي ولا يستريح إليها الطبع الشرقي؟
Unknown page