Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Genres
وقال في صفحة 231:
ها هو أستاذك في فقه أبي حنيفة قال ذلك همسا في أذني، فأسرع إذن لسماع درسه.
ظهر لي الشيخ لأول لمحة ثقيلا؛ إذ كان هرما، وكانت فكرتي الثابتة أن أتلقى علومي على أساتذة من الشبان وسأجلس مع المستمعين وكتابي بين يدي دون أن أنبس ببنت شفة، نظرت إلى عينيه الكبيرتين اللتين لا تتحركان ولا تعبران عن شيء، ولحيته الطويلة البيضاء، وشاربيه المستأصلين، وأنفه الكبير القذر، وعلبة سعوطه وهي في حجره فوق منديل مثقوب ... وهذا هو النموذج الذي كنت أخشاه، وكان يتكلم وهو يهتز وكان شرحه ميكانيكيا، وفي كل ثلاث أو أربع دقائق يحشو أنفه بسعوطه ويمخط بجلبة قوية ... وفي آخر الدرس أردت أن أسلم عليه فدلت هيئته على أنه لا يراني، ثم همس في أذني طالب إنه ضرير.
إن هذا المنكود ليستحق الرحمة والحنان لسوء حظه وفقد بصره، والإعجاب لانقطاعه لتلقي العلوم، ونيله شهادة العالمية، والقيام بمهمة التدريس، فلم يسخر منه الأستاذ ويعيره بفقد بصره وضخامة أنفه وسعوطه، والعاهات الطبيعية لا يتأتى تجنبها؟ كما أن السعوط ليس مزريا لهذا الحد، فقد كان الإمبراطور نابوليون بونابرت وهو أبعد عظماء الرجال صيتا لا يفارقه سعوطه، وما فتئ منتشرا في أركان المعمورة لا سيما أوروبا، لنكتف بهذا القدر من أمثلة الكتاب ولو أن به كثيرا من هذا النوع، ولنلق نظرة إلى وضع الكتاب.
تورط الكاتبان في وضع الكتاب وجعلاه على شكل أخبار متسلسلة بطلها منصور، وطفق يحدثنا مذ كان صبيا إلى أن ترعرع وأصبح فتى، وجدناه وهو صبي يحلل الأشخاص تحليلا بسيكولوجيا، ويلاحظ ملاحظات دقيقة لا يراها إلا الحكماء، ويصور تصويرا يقف دونه كبار المصورين من الكتاب.
ولو كان عند أحدهما فكرة الوضع الروائي لما وقع الاثنان في هذه الورطة، وكان للكاتبين الحرية التامة في تحليل الأشخاص وسرد الملاحظات والحكم وغيرها على لسان الكاتب مهما اختلفت أعمارهم.
ومن المستغرب أيضا أنه قال في وسط حديثه وهو يصف كتاب الشيخ خضر حينما أدخلوا فيه أمين أفندي لتعليم الحساب:
وا أسفاه على الشيخ عبد اللطيف، فإني رأيت بعد خمس عشرة سنة من هذا التاريخ رجلا يقترب مني في الطريق ثم قال لي: يا بك! رعاك الله! انظر إلي بعين الرحمة وأعطني ثمن رغيف!
نظرت إلى هذا الشحاذ فإذ هو أستاذي «في كتاب الشيخ خضر»، فما الذي اضطره ليحدث عن شيء قبل أن يحصل بخمسة عشر عاما؟ ولم لم ينتظر حتى يأتي زمنه وموضعه من الحديث فيسرده؟
ومن الأحاديث التي تفوق في الغرابة قصص ألف ليلة خبر إحدى أميرات الإسكندرية التي اشترت فتاة تركية من الآستانة وكانت آية في الجمال، وعند قدومها اصطف الخصيان والجواري السود على جانب السلم واصطفت في الجهة الأخرى الجركسيات إلى آخر درجات السلم، ولما مرت بينهم نثروا عليها الذهب، ثم قادتها زينب هانم إلى غرفتها وكانت من الحرير الوردي وسريرها من الفضة المموهة بالذهب، وقد خصص لها معلمان أحدهما للفرنسية والثاني للموسيقى حتى فاقت سيدتها الأميرة.
Unknown page