عبور [ق ١٩/و] البحر، فإنّ ذلك كان في صحبة موسى وأخيه هارون وهما اللذان تقدَّما القومَ، وهذا كان من أصحاب محمّد ﷺ بعد موته بمدّة، وأيضًا فإن التغرير بالنفس في خوض دجلة مع شدّة جريانها وعظم طغيانها أعظم من اقتحام البحر مع سكونه وعدم (١) جنونه، وأيضًا فإن موسى وأصحابه إنما دخلوا البحر لما ضربه موسى ﵇ بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وظهرت أرض البحر فمشوا عليها كما قال (الله) (٢) تعالى: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: من الآية ٧٧] فلما تبعهم فرعون بجنوده أطبقه الله عليهم وأغرقهم ونجى موسى وأصحابه، وأيضًا فإنّ أصحاب موسى ﵊ عبروا البحر وهم مطلوبون خائفون كما قال تعالى عنهم قالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: من الآية ٦١]، وأصحاب محمد ﷺ كانوا طالبين لعدوّهم، وفرق عظيم بين من يغرّر بنفسه في طلب عدوّه ليقتله وبين من يغرّر بنفسه فارًّا منه في طلب النجاة لئلّا يقتله، وأيضًا فمشي أصحاب محمد ﷺ على وجه الماء أعظم من مشي أصحاب موسى ﵊ على أرض البحر اليابسة، فإن المشي على الأرض شيء معتاد معروف بخلاف المشي على وجه الماء.
فأما توريث الله تعالى لموسى ﵊ وأصحابه أموال فرعون وقومه كما قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾ [الأعراف: من الآية ١٣٧] فليس هذا بأعظم مما ورّث الله تعالى أصحاب محمد ﷺ إكرامًا لمحمد ﷺ، فإن الأرض التي أُورثها موسى وقومه هي أرض فرعون التي كان يحكم فيها لا جميع الأرض التي خلق الله تعالى بدليل قوله: ﴿الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: من الآية ١٣٧] وليس كل الأرض بارك الله فيها، وقد أورث الله تعالى أصحاب محمد ﷺ من آل كسرى ما لا يعد ولا يحصى من الذهب والفضّة والجواهر والأمتعة
والفرش والأواني والعُدد والسلاح والدوابّ إلى غير ذلك من سائر أنواع الجواهر
(١) في ب "عدمه" بزيادة الهاء، وهو خطأ.
(٢) لفظ "الله" ليس في ب.