كل مرتبة درجات لتظهر أسرارُ حكمته في الخلق، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم الغاية في الجودة، خُلقت أبدانهم سليمة من عيب فصلحت لحلول النفوس الكاملة، ثم هم يتفاوتون أيضًا في المراتب، ويتميَّز (١) بعضهم على بعض في المناقب وعلوِّ المناصب، وكان نبينا محمد ﷺ أصحَّ الأنبياء مزاجًا، وأكملهم (٢) بدنًا، وأصفاهم رُوحًا، وبمعرفة ما نذكره من أحواله وأخلاقه وصفاته يتبين فضله، ولذلك قدَّمه الله تعالى على الكُل، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم خلاصة الوجود، وواسطة العقود، وهم خيرة الخلائق، وصفوة الخالق، وهم في الفضل طبقات، وفي القدر درجات قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: من الآية ٥٥] فكلٌ له رتبة (لايتعدَّاها) (٣)، ومنزلة لايدرك غيره مَداها، وغاية إذا بلغ منتهاها تناهى، وجعل لمحمد ﷺ من الرتب أعلاها، ومن المنازل أسماها، ومن المعجزات أعظمهما وأقواها، ومن المنقبات أجملها وأبهاها، ومن الفضائل أُولاها وأُخراها، ومن المحاسن أَوْلاها وأَحراها، ففي حديث الإسراء عنه ﷺ: «إن الله تعالى جمع الأنبياء والملائكة صفوفًا قال فقدَّمني وأمرني أن أصلِّي بهم فصليت بهم ركعتين، ثم إنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أثنوا على ربهم سبحانه، فقال إبراهيم ﵇[ق ٢/ظ]: الحمد لله الذي اتخذني خليلًا وأعطاني مُلكًا عظيمًا وجعلني أمَّة قانتًا يؤتم بي وأنقذني من النار وجعلها عليَّ بردًا وسلامًا، ثم إن موسى ﵇ أثنى على ربه تعالى فقال: الحمد لله رب العالمين الذي كَلَّمني تكليمًا وجعل هلاك فرعون على يدي ونجَّا بني إسرائيل على يدي وجعل من أمتي قومًا يهدون بالحق وبه يعدلون، ثم إن داود ﵇ أثنى على ربه تعالى فقال: الحمد لله
الذي جعل لي مُلكًا عظيمًا وعلَّمني الزَّبور وألان لي الحديد وسخَّر لي الجبال يسبّحن والطير وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب، ثم إن سليمان ﵇ أثنى على ربه فقال:
_________
(١) في ب " يتمايز ".
(٢) في ب " أجملهم ".
(٣) " لايتعداها " ليس في ب.
1 / 324