Kharitat Macrifa
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
كان روجر بحاجة إلى توطيد حكمه وفرض الاستقرار. فنظرا لكونهم أجانب وكذلك نبلاء من طبقة دنيا، كان يتعين على عائلة دي هوتفيل أن تعتمد على القوة الغاشمة. تحت حكمهم، أصبحت صقلية واحدة من أغنى الولايات في أوروبا.
لم يكن هذا النجاح يرجع فقط إلى قوة سلاح عائلة دي هوتفيل ، ولكن أيضا إلى طموحهم الجامح. فروجر، الذي صار الآن كونت صقلية، ولكنه لا يزال تابعا اسميا لأخيه روبرت (لم يكن وضعا يستطيبه)، استقطع لنفسه دونما خجل كل فكرة بيزنطية أو عربية ولع بها لتشكيل حكومته وتشكيل صورته. كانت إدارته تستند إلى التقاليد البيزنطية القائمة،
1
فاعتمد كثيرا من العادات العربية وأصدر بجرأة أمرا يقضي بأن يدفن، عند موته، في تابوت حجري له ظلة من الرخام البورفيري، وهو شرف كان حتى ذلك الوقت مقصورا على الأباطرة البيزنطيين.
2
كانت الرسالة واضحة وهي أن آل دي هوتفيل كانوا لاعبين رئيسيين على الساحة العالمية، متحلين بكل الأبهة والطقوس التي تستتبع ذلك. تحت تأثيرهم، انتشرت الثقافة الملكية للعالمين العربي والبيزنطي في أنحاء أوروبا. ومن تلك اللحظة، أصبحت الأبهة البذخة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجلالة والتعبير عن السلطة الأميرية. طوال القرن الثاني عشر، احتفت السلالة الحاكمة بنجاحها وشكرت الرب عليه بإقامتها ثلاث كاتدرائيات جديدة؛ في باليرمو (حيث كانت البازيليكا القديمة قد أصبحت مسجدا تحت الحكم الإسلامي)، وفي مونريالي وتشفالو؛ إذ كان وجود مجموعة من الكنائس المنشأة حديثا يظهر عودة المسيحية إلى الجزيرة. أعيد ترميم أسوار المدينة المتهالكة ودفاعاتها، وفرض الأمن وبدأت جماعات من التجار في الوصول والاستقرار في أحيائهم في بلدات صقلية ومدنها، مالئين الفراغ الذي تركه التجار المسلمون واليهود الذين فروا أثناء فوضى حملة الغزو.
3
أقام الأمالفيون، الذين يسارعون دوما إلى الاستفادة من أي فرصة، شارعا خاصا بهم في باليرمو، على جانبيه المحلات، وأنشئوا حتى الكنيسة الخاصة بهم، وكرسوها للقديسة أندريا. ازدهرت باليرمو، وكبرت الأسواق، وارتفعت «قصور مثل قلاع عالية لها أبراج تختفي بين السحب» وانتشرت الحدائق حولها، يغذيها نظام هيدروليكي معقد يجذب الماء إلى أعلى من ينابيع تحت الأرض.
7
خلف روجر على العرش ابنه، روجر الثاني، الذي ورث كثيرا من الميزات التي كانت قد انتشلت والده وأعمامه من الفقر المدقع في نورماندي إلى المجد على شواطئ البحر المتوسط. ولكن كان ينقصه شيء ما؛ التعليم. مات روجر الأول عندما كان ابنه طفلا، تاركا زوجته الشابة، أديليد، وصية على العرش. كانت أديليد، تلك المرأة الرائعة، قد تزوجت من روجر عندما كان في الستين من عمره وكانت هي في الخامسة عشرة. أشرفت أديليد على تعليم ابنها، وتأكدت من أن إخوته الثلاثة عشر الذين يكبرونه من زوجتي زوجها الأوليين قد استبعدوا تماما من وراثة العرش. أمضى روجر الثاني سنواته الأولى في ميسينا، على الساحل الشرقي الذي كان يسيطر عليه اليونانيون، حيث تعلم على يد كريستودولوس، الذي كان صقليا من أصول يونانية بيزنطية، والذي كان أيضا كبير مستشاري أديليد. غرس كريستودولوس في تلميذه الصغير حبا للتعلم والثقافة ظل ملازما له بقية حياته. في نحو عام 1111، عندما كان في السادسة عشرة من عمره، انتقل بلاط الدوق الشاب إلى باليرمو، التي كانت مدينة مشبعة بتأثيرات عربية، فتحت عينيه على تنوع ثري من الثقافة الصقلية.
Unknown page