Kharitat Macrifa
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
عندما كان رئيس دير كلوني، بطرس المبجل، يطوف الأديرة الإسبانية في عام 1141، صادف باحثين شابين «على ضفاف نهر أبرة»، وأقنعهما بأن يترجما القرآن لحسابه.
20
استخدم بطرس هذه الترجمة ونصوصا إسلامية أخرى لطرح فكرة أن الإسلام كان هرطقة مسيحية. غير أن الأهم من ذلك أنه كان أول باحث مسيحي يتعامل مع الثقافة الإسلامية ويتعرف عليها. وكانت هذه لحظة فارقة في الحوار بين الديانتين. كان اهتمام بطرس بالإسلام واحترامه له واضحين. فوصف الباحثين المسلمين بأنهم: «رجال بارعون ومثقفون تمتلئ مكتباتهم بكتب تتناول العلوم الإنسانية ودراسة الطبيعة، وأن المسيحيين قد مضوا في سعيهم من أجل هذه الكتب.»
21
هذا التوجه الشغوف المنفتح كان من سمات الباحثين الأوروبيين في القرن الثاني عشر، ولكنه لم يدم. بحلول عصر النهضة، حجب الباحثون المسلمون، الذين كانوا قد قدموا إسهاما هائلا، جراء تبجيل يصل إلى حد الهوس للمصادر اليونانية القديمة.
بعد أن ترجم القرآن، حرص روبرت على العودة إلى علم الفلك، ووعد بطرس في عام 1143 «بهدية سماوية تحتوي بداخلها على مجمل العلم. وهي تكشف حسب الرقم، والتناسب، والقياس كل الدوائر السماوية وأعدادها ونظمها وأوضاعها، وأخيرا، كل الحركات المختلفة للنجوم ...»
22
هذه إشارة إلى كتاب «المجسطي»، الذي كان هو وهيرمان يستعدان لدراسته بقراءة أطروحة «العناصر» ونصوص رياضية أخرى. من الممكن أن يكونا أعدا إصدارهما من نص بطليموس، لكن ليس ثمة دليل على هذا. على النقيض من ذلك، كان إصدار جيرارد من كتاب «المجسطي» أول إصدار ينتشر على نطاق واسع في أوروبا وكان أكثر الإصدارات اللاتينية الأولى لعمل بطليموس تأثيرا؛ فيوجد منه اثنان وخمسون مخطوطا، لا تزال باقية إلى يومنا هذا في مكتبات متنوعة مثل بطرسبرج ومانشستر. وتوجد أضخم مجموعة على الإطلاق، ثلاث عشرة نسخة، في المكتبة الوطنية في باريس، وهو ما يمكن أن يشير إلى أن زملاء جيرارد الإفرنج في طليطلة أرسلوا نسخا إلى فرنسا. ويتواجد أقدم مخطوط باق من مخطوطاته في مكتبة الفاتيكان، ومعه أربع نسخ أخرى تالية، وهو ما يشير إلى أن تراجم جيرارد قد انتقلت إلى إيطاليا، حيث أعيد إنتاجها بأعداد كبيرة. في الوقت الذي ظهر فيه كتاب «المجسطي» باللغة اللاتينية، كان الكتاب بالفعل معروفا إلى حد كبير، على الأقل وسط فئة النخبة الصغيرة من الباحثين المهتمين بعلم الفلك الرياضي. فكان يشار إليه ويقتبس منه في العديد من الأعمال الأخرى وكان مصدرا أساسيا لأطروحة هيرمان «الماهيات»، التي كانت قد قدمت كتاب «المجسطي» لأوروبا الغربية قبل سبعة عشر عاما من تقديم أول ترجمة كاملة.
كانت ثمة مشكلة كبيرة واجهت كل مترجمي النصوص العلمية، في بغداء وطليطلة على حد سواء، وهي الحاجة إلى استحداث مفردات تفسر الأفكار التقنية الجديدة. وكان هذا ينطبق بوجه خاص على فرعي الفلك والرياضيات، حيث كانت ابتكارات العرب جنبا إلى جنب مع غياب خبرة الثقافة اللاتينية يعني أن معظم المبادئ والمنهجيات التي تترجم كانت جديدة تماما، ولم يكن يوجد كلمات، حتى ذلك الحين، تعبر عنها. قدم الباحثون اليهود، الذين كانوا قد اعتادوا بالفعل نقل أفكارهم من العربية إلى العبرية، إسهاما كبيرا وساعدوا الباحثين اللاتينيين على استحداث مصطلحات جديدة.
كما رأينا، أرسل بعض الباحثين الذين كان مقرهم في إسبانيا نسخا من ترجماتهم إلى مدارس الأديرة والكاتدرائيات في فرنسا، حيث درست وأعيد نسخها؛ ومن ثم انتشرت عبر شبكة الرهبنة البندكتية الممتدة. ولكن لم يكن ثمة طلب كبير عليها في إسبانيا نفسها، حيث تطورت الجامعات والمدارس بوتيرة أبطأ؛ فلم تتأسس أول جامعة إسبانية إلا في عام 1208. كان يوجد نسخة مخطوطة قديمة من ترجمة جيرارد لكتاب «المجسطي» في مكتبة كاتدرائية طليطلة، وهي موجودة الآن في المكتبة الوطنية الإسبانية، في مدريد،
Unknown page