Haridat al-qasr wa garidat al-ʿasr
خريدة القصر و جريدة العصر
وآنست من آثار آل مُعَيَّة ... معاهدَ، كانت للمكارم منزلا،
لأَلْفيتَ ما بين الجوانح والحَشا ... فؤادًا، بأسباب الغرام موكَّلا
وغاديتَ يومًا بالكآبة أَيْوَمًا، ... وساريتَ ليلًا بالصَّبابة أَلْيَلا
ألا أيُّها اللاحي على ما أُجِنُّه ... هل أنْتَ مُعيِرِي ناظرًا متأمِّلا؟
أُريك محلًا، ما أحاطت رُبوعُه ... من القوم إلا مُفْضِلًا أو مُفَضَّلا
من الفاطميّين الَّذينَ وَلاؤهم ... عُرًا لذوي التَّقْوى، نَجاءً ومَوْئِلا
إلى الحسن، بن المصطفى طوَّحَتْ بهم ... عُلىً، شرُفت من أن تقاس بها عُلَى
ابن الشريف الجليل أبو القاسم، علي، بن محمد، بن يحيى بن عمر، الزيدي، الحسيني، الكوفي.
شيخ طويل، شريف جليل، نبيه نبيل.
كأن نظمه نسيم عليل، أو تسنيم وسلسبيل. أرق عبارةً من عبرة من أرقه الشوق، وأحسن حليةً من جيد ورقاء حلاها الطوق.
وفد على الديوان العزيز في صفر، سنة ست وخمسين وخمس مئة، يخاطب على ملك له قد انتزع، ورسمٍ له قد قطع.
وكنا نجتمع في دار المولى الوزير عون الدين بن هبيرة كل غدوة، وننتظر إذنه للخواص في اللقاء، وجلوسه لأهل الفضل وأبناء الرجاء. فاستأنس الشريف بمحاورتي، استئناسي بمحاورته، وأتحفني من رقيق عبارته، بيتين له في عمي العزيز ﵀، في نكبته. وهما:
بني حامد إن جارَ دهرٌ أو اعتدى ... عليكم، فكم للدّهر عندكمُ وِتْرُ
أجرتم عليه مَنْ أخافت صُروفُه ... فأصبح يستقضيكُمُ وله العذرُ
وذكر بعد ذلك أيادي عمي ونعماه، وما أولاه إليه وأسداه. ورق لفضلي وضياعه، وأشفق من اتضاعه، فذكرت له التفات الوزير إلي، وتحدثت بإنعامه علي. لولاه ذل أهل الفضل، وعز أولو الجهل، فهو الناقد البصير، العارف الخبير. عاش الفضلاء في ذراه، فيا ضيعة ذوي الأدب وأولي الحسب لولاه. رمقهم بعين القبول فحفظ رمقهم، وإن كان مقامهم - لولاه - ب العراق عرقهم، وخذل أهل الباطل بنصرة الحق وفرق فرقهم.
ولم يزل الشريف الجليل لي جليسًا، يهدي إلي من أعلاقه نفيسًا، إلى أن نجز توقيعًا بما توقعه، واستخلص ملكه ورجعه. فركب إلى الكوفة مطا التنوفة.
وعاد في سنة سبع وخمسين وخمس مئة إلى الوزير متظلمًا، شاكيًا متألمًا، وأنشده - وأنا حاضر - قصيدةً مقتصدة في أسلوبها، مستجيرًا به من الليالي وخطوبها، فيها بيتان جعلهما لتلك الكلمة مقطعًا، ما ألطفهما معًا وهما:
أجِرْني على الدَّهرِ فيما بقي ... بَقِيتَ. فما قد مضى، قد مضى
فلست أُبالي بسُخط الزَّمانِ ... وأنت تراني بعين الرِّضَى
فاهتز الوزير لها اهتزاز مثله، وأثنى على الشريف وفضله، ووعده بقضاء شغله. ووددت لو أن لي مكنةً، أو أملك على إجازته وإجارته منةَ، فأتقلد له منةً.
ثم أخذت القصيدة، فاخترت منها هذه الأبيات:
أَمَا والقَنا شُرَّعًا، والظُّبَى ... تجور وقد حُكِّمت في الطُّلَى
وشُعثِ النَّواصي، إذا ما طلَعْنَ ... عوابسَ، قُلْتَ ذِئاب الفلا
وتقصُرُ عنهنَّ هُوج الرِّياح ... إذا ما اصطخَبْنَ وطال المَدَى
عليها المَساعيرُ من هاشم ... تَخالُهم الأُسْدَ أُسْدَ الشَّرَى
لقد خصَّك الله بالمَأْثُرا ... تِ دُونَ البَرِيَّة لمّا برا
فأعطاك، وَهْوَ الجزيلُ العطا ... ءِ، لمّا رآك جزيلَ العطا
وقابلتَ إِحسانَه محسنًا، ... فنِلْتَ المُنَى، وأنلتَ المُنَى
ومنها:
وكفُّك في الجود فوقَ الغَمامِ ... وأرضُك في الفخر فوقَ السَّما
ومنها:
أما والعُلَى قَسَمًا صادقًا ... لقد أنجبتْ بك أُمُّ العلى
هُمَاماٌ، إذا صالَ صلَّ الحديدُ، ... وإن قال أسمعَ صُمَّ القَنا
ومنها:
فتىً، يُرخصُ النَّفْسَ يومَ الهِياجِ ... ويَشري الثَّناءَ إذا ما غلا
أخو السَّيف والضّيف، من تَدْعُهُ ... ليومِ النِّزالِ ويومِ القِرَى
1 / 109