فآتت أحمد جراءة ليست من طبعه، وسأله: لماذا لم تقنع بواحدة؟ - واحدة؟! .. أنا خطاط، والنساء كالخط أنواع، لا يغني نوع عن نوع، فهذه نسخ، وتلك رقعة، وثالثة ثلث، ورابعة فارسي. أنا لا أوحد إلا الله. - ولكن أليس الأربع بأكثر مما ينبغي! - ليتهن كفينني، أنا والحمد الله أكفي مدينة من النساء، أنا المعلم نونو والأجر على الله! - وكيف تجمعهن في شقة واحدة؟ ألم تعلم بما يقال عن غيرة النساء؟!
فهز المعلم منكبيه العريضين استهانة وبصق على الأرض، ثم قال: هل تصدق ما يقال عن النساء وغيرتهن ومكرهن؟! .. كل أولئك سجايا خلقها ضعف الرجل، المرأة في الأصل عجينة طرية، وعليك أن تشكلها كما تشاء، واعلم أنها حيوان ناقص العقل والدين فكملها بأمرين، بالسياسة والعصا! فما واحدة من نسائي إلا مطمئنة إلى أنها الأثيرة المفضلة، وما من واحدة استوجبت أكثر من علقة واحدة، ولن تجد مثل بيتي سعادة وهدوءا، ولا مثل زوجاتي حشمة وتنافسا في إرضائي، ولذلك لم يجرؤن على مغاضبتي حين علمن بأن لي خليلة!
فصاح أحمد عاكف: خليلة! - سبحان الله ربي! ما لك تدهش لأتفه الأشياء؟! أقول: إن طعمية البيت لذيذة، ولكن ما رأيك في طعمية السوق؟ - وهل ترضى زوجاتك عن خليلتك؟ - الرضا يساوي التعود على الرضا، وأنت برجولتك تستطيع أن تحمل المرأة على ما تريد فتعمل ما تشاء، وتؤمن بما تشاء، والرجل القوي لا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا وافق هواه.
فابتسم أحمد وقال: عوفيت يا معلم!
وأخذ المعلم أنفاسا متتابعة ثم سأل ضيفه: هل أنت متزوج يا أحمد أفندي؟
فأجاب باقتضاب وقد امتعضت نفسه: كلا. - ولا واحدة؟! - ولا نصف واحدة.
فضحك الرجل وقال بصراحته المعهودة: أنت بغير شك نطاط كبير!
فابتسم أحمد ابتسامة غامضة، ولم يعرض لقوله بنفي أو إثبات، فقال نونو ضاحكا: عوفيت .. عوفيت!
وبلغ المعلم نونو من نفسه ما لم يبلغه سواه، فأحدث فيها يقظة عنيفة، كأن شيئا يناقضه قوة وصحة وابتساما، وإقبالا على الحياة، وفوزا وسعادة، فأعجب به إعجابا استمده من عجزه عن مجاراته، وحقد عليه لتفوقه وسعادته، إلا أنه كان حقدا خفيفا لا يقاس بما أحدثه في نفسه من شعور باستعلاء، فغلب ميله إليه حقده عليه، واستثار فيه رغبة جديدة للاختلاط به وبحيه العجيب.
وعندما استأذن في الانصراف قال له المعلم: عليك بقهوة الزهرة هي قهوة صغيرة، ولكنها تجمع أفندية هذا الحي المحترمين، وستعرف فيها الصفوة من جيرانك، هلا حضرت هذا المساء؟!
Unknown page