السباك أيضا! دائما السباك، لصنبور المطبخ جاء أو الحمام، أو لعلها الماسورة أو البالوعة، فلتتجنب السؤال فضلا عن الاستجواب؛ اتقاء للعواقب الوخيمة. سيجيء السباك مرة ثانية وثالثة ورابعة، كلما طاب له المجيء أو دعته الخنزيرة!
وأغلقت عدلية باب حجرتها كيلا تقع عيناه عليها! من قديم والشكوك تساورها، ولكن ما الحيلة؟ هكذا تقع الحوادث في مسكنها الصغير، خارج الباب المغلق، الذي يغلق بلا إذنها أو إرادتها باسم حمايتها، وهي لا حيلة لها ولا قوة ولا معين. ولو طمع الرجل في أكثر مما بين يديه، لو ظن يوما أنها عقبة في سبيله، لو خطر له أي خاطر شيطاني، فمن ذا يدفع عنها الأذى؟! أرهفت السمع وهي في غاية من الكدر، وغلى الدم في عروقها، لا شك أن وحيدها الفقيد قد عانى انفعالا كانفعالها هذا، هو الذي دفعه إلى الموقف الذي أودى بعمره اليافع، ولكنها نصف ميتة وطريحة الفراش.
وفتحت عدلية الباب، وهي تقول: ذهب.
ألم يستغرق من الوقت أكثر مما يتصور العقل! وسألتها دون أن تشير إلى ذلك: ماذا فعل؟ - ماسورة الحوض.
غالبت الغيظ حتى غلبته، ثم قالت : ولكن ماسورة الحوض ...
فقاطعتها بحدة: إنها قديمة وبحاجة إلى إصلاح متواصل!
لن تنتهي حاجتها إلى الإصلاح، ولو استبدلت بها أخرى جديدة، فسيوجد دائما ما يستدعي حضوره من أسبوع لأسبوع. فليأت كلما شاء هواه أو شاء هواها، وليقنع بذلك. على أي حال، فعدلية بمثابة يديها وقدميها وحواسها جميعا، ومهمتها في هذا البيت ليست بالمريحة ولا السهلة ولا السعيدة، وإلى ذلك كله، فالشقاء لا يعفيها من ضريبته، ولن يخلو رأسها من أسباب الأرق.
وذات يوم طرق الباب طارق غريب، وقالت عدلية لسيدتها: شيخ ضرير يا ستي، يدعي أنك تعرفينه من قديم.
وقبل أن تضيف كلمة، جاء من الخارج صوت الغريب وهو يهتف: الشيخ طه الشريف يا ست عيون هانم!
ذلك الصوت، ذلك الاسم، فلتسعفها الذاكرة المحتضرة. وتلقى قلبها رعشة، ثم انساب من شغافه المهزوز فيض من الذكريات، كدفقة نسيم عطرة، فاجتاحها إحساس بالسعادة غامر: تعال يا شيخ طه، خذي بيده يا عدلية.
Unknown page