ومن الأخبار ما ينبئ بأن طليعة جيش المسلمين باغتت بعض رجال مسيلمة في ثنية اليمامة؛ أي في عقبة الحيسية، وهو المضيق الواقع إلى شرقي الحيسيان بين خشم الحيسية وخشم الخرشة، وفيه تنقسم مياه الأمطار؛ فمنها ما يصب إلى الشرق ويجري في وادي حنيفة، ومنها ما يصب إلى الغرب ويجري في بطن الحور.
ومن جملة الأسباب التي تجعل خالدا يميل إلى سلوك الطريق الغربي، قربه من قاعدة الحركات؛ أي المدينة. فإذا ما نكب الجيش يصل إليه المدد من خلفه، وإذا ما تضايق يستطيع الانسحاب إلى المدينة أو إلى مكة من بلاد أسد وغطفان، أو من بلاد بني عامر وهوازن؛ لذلك نجزم بأن جيش المسلمين سلك ذلك الطريق في مسيره نحو اليمامة. (28) معركة عقرباء
يقينا أن معركة عقرباء من المعارك الفاصلة التي ختمت دورا وفتحت دورا آخر؛ فالمسلمون جمعوا أقصى قوتهم بقيادة أمهر قوادهم، والمرتدون حشدوا أعظم قوة في استطاعتهم جمعها في أوعر منطقة، فمجرى المعركة يدل على الغاية التي كان يستهدفها كل من الفريقين.
فلو انكسر المسلمون، لا سمح الله، في هذه المعركة لبقي العرب منزوين في جزيرتهم، واحتفظ الأكاسرة بملكهم في العراق، ولم يبك هرقل ضياع سورية؛ فالنبي الكاذب أسود العنسي الذي سيطر على اليمن مدة من الزمن قتل غيلة، فلم يضطر المسلمون إلى حشد قوة كبيرة للتغلب عليه. أما بنو أسد فلم يكن من الصعب التغلب عليهم لتفرق كلمة القبائل، بيد أن في عقرباء احتشدت أعظم قوة من أمنع قبيلة في أرض مستحكمة، وكان الناس يقاتلون عن حيهم، ويتفانون في سبيل نبيهم.
ولما انتهت المعركة بانتصار المسلمين انكسرت مقاومة المرتدين في الأقطار الأخرى، ولم يلاق المسلمون صعوبات في تمكين الإسلام من قلوب أهلها، فخضعت البحرين، ودانت عمان ومهرة بدين الإسلام، وجددت حضرموت إسلامها، وعادت اليمن إلى حظيرة الإسلام، وكان من أثر ذلك أن اجتمعت كلمة العرب فشعروا بقوتهم، فبادروا إلى الفتوح بقيادة رؤسائهم، فاندفعوا كالسيل الجارف يثلون العروش، ويقضون على إمبراطورية الأكاسرة ودولة القياصرة، فلم يمر بضع سنوات على ذلك حتى كان العرب يصولون بخيولهم في بلاد خراسان شرقا وبلاد المغرب غربا. (29) خطة خالد
لا شك في أن خالدا كان يقدر حرج الموقف في قتاله أهل اليمامة، وكان يعلم أنه على أمر يتوقف عليه نجاح الإسلام أو خيبته؛ فالبلاد وعرة، والقرى فيها منيعة، والناس ملتفون حول داعيهم معتصمون بحيهم، وعددهم كثير، وسلاحهم يضرب به المثل.
لذلك لم يقدم على الحركة قبل أن تصله النجدة الموفدة من المدينة، وأراد أن يمهد سبيل الظفر بالتدابير السياسية وذلك:
أولا:
باستمالة التميميين في اليمامة إلى جانبه.
ثانيا:
Unknown page