واحتفظ خالد بهذا السلاح ووزعه بعد ذلك على رجال القبائل الذين أسرعوا بالانضمام إلى جيشه، كما وثقوا بالنصر. (19) القتال في ظفر
تدل الأخبار على أن خالدا لم يمهل الشاردين؛ بل إنه لما علم أن أم زمل سلمى جمعتهم حولها في ظفر، وشجعتهم على المقاومة توجه فورا نحوها فقاتلها قتالا شديدا، وهي واقفة على جمل أمها أم قرفة تحمسهم على القتال، وقد اجتمع على الجمل جمع من فرسان المسلمين فعقروه وقتلوها، وقتل حول جملها كما تذكر الرواية مائة رجل، وكان قيام أم زمل وتشجيعها للناس على قتال المسلمين طلبا للثأر. (20) المطاردة
ورب منتقد يعتب على خالد إهماله المطاردة بعد انتصاره في بزاخة؛ إذ كان في وسعه أن يطارد الأعداء ولا يمهلهم المقاومة مرة أخرى إلا أن العتاب ليس في محله؛ لأن القتال في البادية مع القبائل لا يشبه القتال في الحواضر؛ فالقبائل بعد أن تغلب تنهزم إلى جهات مختلفة، بعد أن تترك حيها وتلجأ إلى الأحياء القريبة، وتستنجد بها ولا تقصد هدفا ترمي إليه. وكان خالد مضطرا إلى البقاء في بزاخة ليقبل إسلام المرتدين ويعاقب من مثل بالمسلمين منهم عملا بوصايا أبي بكر.
وكان خالد قبل ذلك أوفد السرايا إلى أنحاء مختلفة؛ ليقضي على المتشردين، فقاتلهم في جبل رمان على حدود طيء وقاتلهم في الأبانين على حدود بني سلم، وقاتلهم في النقرة على حدود بني تميم، فكل ذلك يدل على أن خالدا استثمر نصر بزاخة ولم يمهل المنهزمين بل طاردهم بكل شدة.
ويقع موقع ظفر كما يذكر ياقوت الحموي بالقرب من حوأب، وهذا على الطريق بين البصرة والمدينة، وكانت عائشة قد تشاءمت من نباح كلابه لما رحلت من المدينة إلى البصرة للاشتراك في واقعة الجمل، ولعل موقع ظفر يبعد عن بزاخة مسافة مرحلتين، وهو إلى شرقي كهفة، فالفلول الشاردة من بزاخة التجأت إليه، وكانت أم زمل تحرضهم على الاجتماع فيه لمقابلة خالد.
فالمسافة بين بزاخة وظفر يجب أن تكون بعيدة بدرجة أنها تساعد الفلول على الاجتماع مرة أخرى للقتال. (21) تقدم مسير خالد نحو البطاح لقتال بني تميم
البطاح: لا نعلم بالضبط المدة التي قضاها خالد في حي بني أسد بعد أن انتصر على طليحة في بزاخة، والمؤكد أن خالدا استثمر فوز بزاخة، فقام بمطاردة فلول الجيش المنهزم، ولما سمع أن بعض الفلول اجتمعوا في ظفر تحت راية أم زمل تقدم بجيشه إليهم وهزمهم شر هزيمة، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدم.
والظاهر من ذلك أن خالدا قضى أكثر من شهر في حي بني أسد على أقل تقدير، ولما استتب له الأمر في نجد وتأكد معونة طيء، ودان له بنو عمر وبنو صعصعة، انتهز الفرصة ليتقدم نحو بني تميم.
وكان بنو تميم من أقوى القبائل العربية بكثرة عددها وخصب أرضها وشدة بأسها، وتنقسم القبيلة إلى أربعة أقسام:
القسم الأول:
Unknown page