هذا المجتمع المصري، بل كل مجتمع عربي، إنما نشأ في حضن الثقافة العربية ورضع من تقاليد الإسلام، ولا يمكن مصريا أو عربيا أن يهمل الثقافة العربية القديمة لهذا السبب، والشاب المثقف، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، يحتاج إلى دراسة القرآن كي يفهم الأصول التي بني عليها مجتمعنا، كما يحتاج إلى دراسة الأدب العربي، بل الثقافة العربية العامة، كيف نشأت ونضجت ثم انحطت وتدهورت، وعليه أن يتعرف إلى العلل التي منعت العرب من أن يبعثوا النهضة الحديثة بدلا من الأوروبيين، على الرغم من أن العصور الوسطى عندهم لم تبلغ في الظلام تلك الحلكة التي بلغتها في أوروبا، وعليه أيضا أن يعرف حدود النهضة العربية القديمة.
وخلف كل نهضة في الأدب أو العلم أو الدين حالات اقتصادية هي التي تحرك وتحدث التغير والتطور، وحسبنا أن نقول هنا إن المجتمع العربي كان إقطاعيا في كل عصوره حربيا في بعض عصوره ، وإن الثقافة العربية تأثرت بهذا الوضع الاقتصادي، وإذا شئنا التلخيص استطعنا أن نقول: (1)
إن الأدب العربي كان يخدم الطبقة العالية من الأمة، من خليفة أو أمير أو ثري، وإنه لم يكن قط ديمقراطيا إلا في حالات قليلة جدا في مصر حين أثرت أيام الفاطميين والمماليك بنقل التجارة بين أوروبا وآسيا، فألف الكتاب للشعب كتبا مثل ألف ليلة وأبي زيد وقصة بيبرس. (2)
إنه كان فردي النظر، لم يجعل العالم موضوعه ولا المشكلات البشرية أساس اهتمامه. (3)
تأثر الأدب العربي تأثيرا سيئا جدا بانفصال الجنسين. (4)
النظرة العالمية في الأدب العربي هي - كما كانت في أوروبا مدة القرون الوسطى - نظرة إلهيه غيبية وليست إنسانية عالمية. (5)
كاد العرب ينهضون في الفلسفة، ولكن الغزالي وأمثاله قتلوا هذه النهضة؛ لأنهم وصموا الفلسفة بالكفر.
أما لماذا لم يحدث العرب النهضة التي أحدثها الأوروبيون في منتصف القرن الخامس عشر، فإني أنقل إلى القراء الأسباب التي يراها «كروثر»، فهو يقول إن الذي حال دون النهضة عند العرب هو: (1)
الرق؛ لأن العمل اليدوي وصم به، ولم يعد المجتمع العربي يحتاج إلى اختراع آلات تخفف منه أو تغني عنه. (2)
تحريم الربا؛ لأن إنشاء المصارف أصبح شاقا أو متعذرا، والمصارف ضرورية للتجارة وراء البحار أو حتى بين مدينة وأخرى. (3)
Unknown page