ولكن ما لم يكن متاحا في العهود الماضية يحب أن يتاح في العهد الحاضر، وطبع هذا الكتاب بالألوان ليس خدمة للعلم فقط؛ إذ هو خدمة وطنية إنسانية أيضا لأنه يصف لنا بلادنا من زاوية محببة إلى كل نفس حساسة. •••
كيف نثقف صبياننا؟
إن الرغبة في الثقافة والاستطلاع والنمو الذهني عادة مثل سائر العادات، وهي أثبت وأرسخ عندما تغرس أيام الطفولة والصبا، بل أيام الطفولة أكثر من أيام الصبا.
وما أعجب ما يؤلفه الأوروبيون للأطفال الذين تترجح أعمارهم بين الثالثة والسابعة؛ ففي القاهرة مكتبات نستطيع أن نشتري منها كتابا تبرز فيه الصور وكأنها تتجسم.
فهنا عزبة قد برزت فيها صور الناس والحيوانات والنباتات والآلات، هي لعبة بلا شك، ولكنها تبعث على الاستطلاع والسؤال في الصبي الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر.
وهنا كتاب آخر هو حديقة حيوان، اشتريته أنا بخمسة وثلاثين قرشا، ومع أنه باللغة الفرنسية فقد شغف به الصبي الذي سلمته إليه وعمره لا يزيد على السابعة، وقد استطاع في أقل من أسبوع أن يعين الحيوانات بأسمائها وأن يرسم رسما صبيانيا لصورها بألوانها.
وبديهي أن رؤية الحيوانات في حديقة الحيوان أبلغ في تفطين الصبي وتعليمه من الكتاب، ولكن ميزة الكتاب هي إغراؤه بالكتب، وغرس الحب الثقافة في ذهنه الصغير، حتى إذا كبر صارت الكتب بعض الأثاث لعقله وبيته، بل الموضوع لحديثه والوسيلة لارتقائه.
ولست أقصد بما قلته هنا بأنه ليس عندنا كتاب للأطفال والصبيان؛ فإن أحمد عطية الله وكامل كيلاني يثبان إلى ذهني، وقد كف الأول عن التأليف لصغارنا، أما الثاني لا يزال في هذا الكفاح للتنوير والتثقيف، وقد جعل من كفاحه هذا رسالة الحياة.
ولست كذلك أجهل المجهود الذي تبذله بعض المطابع في إخراج مجلاتها الخاصة بالصبيان، أو الابتداع الذي ابتدعته «الأخبار الجديدة» في خص الصغار بزاوية أسبوعية يشرف عليها بابا شارو.
ولكننا نحتاج إلى المزيد، أي نحتاج إلى «طيور مصر المصورة بالألوان»، وإلى «نباتات مصر المصور بالألوان»، وإلى كتاب عن الغابات، وإلى آخر عن السلالات البشرية، وإلى آخر عن الفراعنة، ثم إلى آخر عن الحضارة العصرية، وكل هذا بالألوان الزاهية المغرية التي تغري الصبي بالقراءة والتفكير، وتبعث أحلامه وتثير تخيلاته وتأملاته. •••
Unknown page