للرياضة
0,87
للقطع المسرحية
وهذه الأرقام تدل على أن الأمة لا تنتفع كثيرا بمحطة الإذاعة، وخاصة إذا عرفنا أن المحاضرات التي لا تأخذ من وقت المحطة سوى 3.63، لا يقوم بها في العادة المثقفون من الطراز الأول، بل إن الوزارات المتعاقبة كانت ولا تزال تفرض امتحانا حزبيا للثقافة، بحيث كانت تحابي أصدقائها وتقاطع خصومها في محاضرات الإذاعة. •••
والمجتمع الحسن ينظم العمل، وبهذا التنظيم يزيد الفراغ لكل عامل، فيستطيع أن يرصد منه وقتا كثيرا لترقية ذهنه بالمعارف، وهو أيضا يزيد الكسب، ويجعل كل فرد قادرا على الاستمتاع الثقافي بزيارة المعارض والمتاحف وبالسياحة وارتياد المسارح والمكتبات العامة، ولكل واحد من هذه الأشياء قيمة ثقافية كبيرة في المجتمع الحسن، ولكن قيمتها تنقص في المجتمع السيئ.
والشاب الذي يقصد إلى تنوير ذهنه وتربية نفسه يجد الفرص لذلك متعددة؛ ففي مدينة مثل القاهرة، قلما يمر يوم دون أن نقرأ عن محاضرة ستلقى آخر النهار، وهذه المحاضرات متنوعة، وكثير منها مفيد منير، وزيارة إحدى المحاكم في قضية جنائية أو مدنية تحث على التفكير الاجتماعي وتشعرنا بمسئوليات جديدة.
ولكن يجب أن نقرر أن المجتمع الذي يربي هو المجتمع الحسن؛ أي المجتمع الذي فشت فيه المتاحف والمعارض، وارتقى فيه المسرح، وأبيحت فيه الحرية للكاتب الصحفي والمؤلف المخلص، أما المجتمع المتأخر الذي يحد من الحرية، حيث تغذو الصحف الجمهور بنخالة الثقافة، والذي تقل فيه المتاحف، ويستحيل فيه الممثل إلى مهرج، والذي يرهق أبناءه بالعمل، فينقص فراغهم أو يجعلهم تخور قواهم فلا يجدون الوقت أو الجهد للاستمتاع الذهني، هذا المجتمع لا يمكنه أن يربي، ومن البعيد بل من المحال، أن ننتظر منه أن يخرج لنا المثقفين فضلا عن علماء بارزين.
إن المجتمع الأمريكي الراقي قد أباح للمسجونين أن ينتسبوا إلى الجامعات، ولكن مجتمعنا المصري إلى الآن لم يكن يبيح للطلقاء أن ينتسبوا إلى الجامعات لكي يستغلوا فراغهم، والمجتمع الراقي في جميع الأمم الديمقراطية يبيح إنشاء الجريدة أو المجلة دون أن يطلب من صاحبها تأدية غرامة معينة، كما كانت الحال عندنا وعند الأمم المنحطة.
والمجتمع الراقي يعنى بالمكتبة كما يعنى بالمدرسة، ففي لندن مثلا ما لا يقل عن مئتي مكتبة للقراءة والاستعارة بالمجان، أو بأجور منخفضة جدا، وفي لندن أيضا نحو مئة متحف، والمقاهي في تركيا تتزود كل منها بخزانة صغيرة من الكتب والمجلات كي يقرأها زبائنها، والحكومة الأمريكية تبعث بلوريات كبيرة مشحونة بالكتب إلى الريف؛ كي تعير الفلاحين ما يشاءون منها وتعود بعد أسابيع كي تستبدل بالمجلدات مجلدات أخرى، وكلمة «شوتوكوا» من الكلمات المأثورة في الولايات المتحدة لأنها تعني حملة ثقافية قامت بها جمعية بهذا الاسم بين سنتي 1870 و1946 في الريف لإلقاء المحاضرات بين الفلاحين، وكانت تقصد إلى القرية النائية فتضرب خيامها وتقدم المشروبات والمحاضرات وألوانا من الغناء والرقص والموسيقى.
وإذا نحن قارنا بين المدرسة والمجتمع من حيث أثرهما في التربية، مع فرض أن الاثنين يستويان في الرقي؛ فلا مفر من أن نقول إن المجتمع يحسن التربية والمدرسة تحسن التعليم، والتربية أعم من التعليم، والثقافة في المدارس والجامعات أسلوبية تسير على قواعد، وكثيرا ما تجمد، ولكن الشاب الذي يربي نفسه في المجتمع يتجه اتجاها ابتكاريا في ثقافته، وهو لهذا السبب أكثر حرية في تفكيره من طالب الجامعة، ثم إن القواعد الببغاوية في استظهار البرنامج المدرسي وأحيانا الجامعي، تمنع الطالب من التوسع في الموضوع الذي يدرس، أو الاستطراد منه إلى دراسات أخرى يستمتع بها الطالب الحر الذي لا يتقيد بامتحان.
Unknown page