الباب الأول
(ف1) سبق الكلام على الاختلاط وعلى التماس وعلى الفعل وعلى الانفعال، ووضح كيف أن هذه الظواهر تقع في الأشياء التي تكابد تغيرات طبيعية. وقد عولج زيادة على ذلك كون الأشياء وفسادها المطلقان وبين بأي طريقة وفي أي الأحوال ولماذا هما يحدثان. وقد درست على السواء الاستحالة وحالة الموجود المستحيل، وفي النهاية قد بينت فصول كل واحدة من هذه الظواهر. والآن يبقى علينا أن ندرس ما يسمى عناصر الأجسام؛ لأن الكون والفساد في كل الجواهر التي تركبها الطبيعة لا يمكن أن يظهرا بدون الأجسام التي تدركها حواسنا.
1
من الفلاسفة من يزعمون أن جميع العناصر مكونة من مادة واحدة بالحقيقة والعدد، ويفترضون أنها هي الهواء أو النار أو جسم ما وسط بينهما، جاعلين هذه المادة جسما جوهريا متميزا تماما ومنفصلا. وآخرون يرون أنه يوجد أكثر من عنصر واحد ويقبلون حينئذ على السواء: هؤلاء النار والأرض، وأولئك الهواء ثالثا مع العنصرين المتقدمين، وآخرون مثل أمبيدقل يزيدون الماء كعنصر رابع. وفي هذه المذاهب المختلفة إنما هو باجتماع هذه العناصر وافتراقها أو استحالتها يعلل كون الأشياء وفسادها.
2
فنسلم بلا أدنى صعوبة أن هذه الأوليات للأشياء يمكن بغاية الموافقة أن تسمى مبادئ وعناصر، وأنه إنما بتغيرها بتجزئة أو تركيب متكافئ أو أي نوع آخر من التغيير الذي تعانيه يأتي كون الأشياء وفسادها. ولكن يخدع المرء نفسه بالتسليم بأنه يوجد مادة واحدة بعينها خارج جميع العناصر وجعلها منفصلة وجسمانية؛ لأن من المحال أن هذا الجسم إذا كان مدركا بحواسنا يمكن أن يوجد من غير أن يعرض أضدادا ما. ويلزم ضرورة أن هذا اللامتناهي الذي اتخذه الفلاسفة مبدأ لهم يكون خفيفا أو ثقيلا باردا أو حارا.
3
ولكن الطريقة التي شرح بها هذا المبدأ في «طيماوس» ليس فيها شيء من الضبط؛ لأنه لم يقل على وجه جلي ما إذا كان هذا الأصل لجميع الأشياء متميزا ومنفصلا عن العناصر. والمحقق هو أن طيماوس لم يرجع في واحد منها إلى هذا المبدأ، ولو أنه قال مع ذلك إنه الموضوع السابق لكل ما يسمى بالعناصر كما أن الذهب هو على الأسبقية موضوع المصنوعات الذهبية. ومع ذلك فإن هذا الإيضاح ليس حسنا على الصورة التي ألقي بها إلينا؛ فإنه يجوز تماما انطباقه على الحالات التي يوجد فيها استحالة بسيطة، ولكن بالنسبة للحالات التي فيها كون وفساد يكون محالا أن تسمى الأشياء بالتي منها تأتي.
صدق طيماوس إذ يقول إنه لا دخل في باب الحق أن يقرر أن كل مصنوع من الذهب هو ذهب، لكن مع أن عناصر الأشياء تكون جامدة فإنه يجاوز بتحليلها إلى حد السطوح. ومحال أن سطوحا تكون المادة الأولية التي يكلموننا عنها.
4
Unknown page