8
بل لا يمكن أن يقال إن نمو الأشياء ونقصها يمكن حصولها بالطريقة عينها التي بها يأتي الهواء من الماء مثلا ما دامت حينئذ كتلة الهواء قد صارت أعضم مقدارا. إذن ليس في هذا مجرد نماء للماء، بل هذا هو كون لجسم جديد فيه تغير الجسم الأول، وهذا هو فساد لضده. وليس ذلك نموا لا لأحدهما ولا للآخر، ولكن إما أن ليس هذا نموا لشيء وإما أنه نمو لهذا الذي هو مشترك بين الشيئين الذي كان والذي فسد على السواء، وهذا الجزء المشترك هو جسم أيضا، فلا الماء ولا الهواء نما وفقط أحدهما باد وانعدم في حين أن الآخر كان، ويلزم أن يكون هناك جسم ما دام أنه وجد نمو.
9
ولكن هناك أيضا محال جديد؛ لأنه يلزم عقلا حفظ الشروط الضرورية التي بدونها لا يمكن إدراك الجسم الذي ينمو أو الذي ينقص، وهي ثلاثة؛ أحدها هو أن كل جزء ما يصير أكبر في عظم ينمو، مثلا إذا كان من اللحم فإن جزءا ما من اللحم ينمو، والشرط الثاني هو أن النمو يحصل بانضمام ما إلى الجسم، وثالثا وأخيرا يلزم أن الشيء ينمو وأن يبقى معا، وفي الواقع حينما شيء يكون أو يبيد مطلقا فهو لا يبقى ألبتة، ولكن حين يعاني استحالة أو نموا أو نقصا فإن هذا الشيء مع أنه ينمو أو يستحيل يمكث ويبقى هو بعينه، فها هنا إنما هو كيف الشيء وحده هو الذي لا يبقى بعد هو هو. وهناك إنما هو العظم نفسه الذي لا يبقى هو بعينه، وحينئذ إذا كان النمو هو بحق ما قد زعم فإن الشيء النامي يمكن إذن أن ينمو بدون أن شيئا يأتي وينضم إليه، وبدون أن هذا الشيء يبقى، كما أنه قد يمكن أن يفنى بدون أن شيئا يخرج منه وبدون أن الشيء النامي يبقى، ولكن يلزم مطلقا حفظ هذه الشروط ما دام أنه افتراض أن النمو هو في الواقع كما قد ذكر.
10
وقد يمكن أيضا أن يسأل ما هو بالضبط هذا الذي ينمو؟ هل هو الجسم الذي إليه يأتي وينضم شيء؟ مثلا متى فعل سبب بعينه نمو الفخذ في جسم إنسان فهل الفخذ نفسه هو الذي يصير أسمن؟ ولماذا هذا الذي يسمن الفخذ أعني الغذاء لا ينمو هو أيضا؟ وفي الواقع لماذا أن الاثنين لا ينموان معا؟ لأن هذا الذي ينمو وهذا الذي ينمي يكونان أعظم كما هي الحال عند مزج الماء والنبيذ؛ فإن كمية كليهما تصير أعظم على السواء. أليس يمكن أن يقال إن هذا يرجع إلى أن الجوهر في حالة يمكث ويبقى في حين أنه في الحالة الأخرى الجوهر. وهو ها هنا، جوهر الغذاء يبيد؟ وها هنا أيضا إنما العنصر الغالب هو الذي يعطي اسمه للمزيج كما هي الحال حين يقال عن المزيج إنه من النبيذ؛ لأن المزيج كله يفعل فعل النبيذ لا فعل الماء.
11
والأمر كذلك أيضا بالنسبة للاستحالة؛ فإذا - مثلا - بقي اللحم ومكث دائما ما هو، وإذا طرأ على اللحم كيف أصلي لم يكن من قبل، فاللحم حينئذ بالبساطة قد استحال، ولكن أحيانا هذا الذي يحيل الشيء إما أنه لا يعاني شيئا هو نفسه في جوهره الخاص الذي لم يستحل، وإما أحيانا أنه يستحيل هو أيضا، ولكن هذا الذي يحيل شأنه كشأن مبدأ الحركة هو في الشيء النامي وفي الشيء المستحيل؛ لأنه فيهما يوجد المبدأ المحرك. وقد يمكن أيضا أن هذا الذي يدخل في الجسم يصير فيه أعظم كالجسم الذي يقبله ويستفيد منه سواء بسواء، مثلا إذا كان العنصر الذي يدخل يصير فيه هواء، ولكنه وهو يعاني هذا التغيير يفسد، والمبدأ المحرك لا يكون فيه بعد.
12
بعد أن بلغنا الكفاية من بسط هذه الصعوبات يلزم محاولة استكشاف حل هذه النظرية مع التسليم بالشروط الآتية دائما:
Unknown page