ليس لشيء من طبع ثابت، وما الكل إلا اختلاط وافتراق.
هذا تعبير - كما يرى - يلائم تماما فرض هؤلاء الفلاسفة، وتلك هي أيضا طريقة تعبيرهم. وإذن فإن هؤلاء الفلاسفة أنفسهم مضطرون إلى الاعتراف بأن الاستحالة أمر مخالف للكون، ومع ذلك فإن من المحال أن توجد استحالة حقيقية على حسب المبادئ التي يقررونها. على أنه من السهل الاقتناع بصحة الرأي الذي نقرره هنا. فالواقع أنه كما أن الجوهر في حال السكون نجده يعتريه في ذاته تغير في العظم يسمى النمو والنقص كذلك أيضا، يمكننا أن نشاهد فيه الاستحالة.
7
ولكن من جهة أخرى ليس أقل من ذلك في باب المحال إيضاح الاستحالة على حسب ما يقوله الذين يسلمون بأكثر من عنصر واحد؛ لأن التأثرات التي تجعلنا نقول بوجود الاستحالة هي فصول للعناصر، أريد أن أقول، الحار والبارد، والأبيض والأسود، والجاف والرطب، واللين والصلب، وجميع الخواص الأخرى المشابهة كما يقوله أيضا أمبيدقل: الشمس في كل مكان بيضاء مملوءة بالحرارة، وفي كل مكان المطر ينشر غشاءه وبرده.
8
إنه يقرر المميزات عينها لسائر الأشياء، وينتج من ذلك أنه إذا كان الماء لا يخرج من النار، ولا الأرض من الماء؛ فإن الأسود لا يمكن أن يخرج من الأبيض، ولا الصلب من اللين. وهذا التدليل بعينه قد ينطبق على جميع التغيرات الأخرى، وهذا بالضبط إذن ما كان يعني بالاستحالة.
ولكن أليس من البين أنه يلزم دائما افتراض وجود مادة واحدة لا غير لأجل الأضداد، سواء أتغيرت بالنقلة في الأين أم تغيرت بالنمو أو النقص أم تغيرت بالاستحالة؟ يلزم ألا يكون إلا عنصر واحد ومادة واحدة بعينها لأجل جميع الكيوف التي تتبدل بعضها ببعض. وإذا كان العنصر واحدا فهناك أيضا استحالة.
9
وعلى ذلك يظهر لنا أن أمبيدقل يناقض الحوادث الأكثر واقعية ويناقض نفسه معا؛ لأنه يزعم معا أن العناصر لا يمكن أن يجيء بعضها من البعض الآخر، بل على الضد يأتي منها سائر الأشياء، وفي الوقت عينه بعد أن رد إلى الوحدة الطبيعية كلها كاملة ما عدا التنافر، قد استخرج بعد ذلك كل شيء من الوحدة التي تخيلها. فعلى رأيه الأشياء بانفصالها عن هذه الوحدة العنصرية بواسطة بعض فصول وبعض تغايير، فهذا الشيء بعينه صار ماء وآخر صار نارا. وبهذه المثابة يسمي الشمس بيضاء حارة والأرض كثيفة صلبة. ولكن متى محيت هذه الفصول، ويمكن أن تمحى ما دامت متولدة في وقت بعينه، أمكن للأرض بالبداهة أن تلاقى إذن من الماء كما يمكن أيضا للماء أن يأتي من الأرض. كذلك الحال بالنسبة لجميع الأشياء الأخرى التي جرى عليها التحول والتغير، لا في الزمن الذي يتكلم عنه فقط، بل التي تتغير أيضا في هذا اليوم.
10
Unknown page