59
ومتى جعل الله فلكيا، فمن الضروري أن يكون له حد؛ لأن له نهايات ما دام أن له مركزا على أبعد مسافة ممكنة من الحد. وإذن لا بد له من مركز ما دام فلكيا؛ إذ إنه يعني بفلكي ما له مركز على مسافة متساوية من النهايات. ولا فرق بين أن يقال إن للجسم حدا وإن له نهايات.
60
إذا كان اللاموجود لامتناهيا فلم لا يكون الموجود لامتناهيا كذلك؟ ما المانع أن يكون للموجود وللاموجود بعض كيوف مشتركة ومتماثلة؟ فإنه لا يمكن فعلا أن يحس اللاموجود. وكيف يحس ما ليس موجودا. وكذلك يمكن تماما ألا يحس فعلا ما هو موجود. يمكن قول الاثنين معا ونصورهما معا اللاموجود ليس أبيض، ولكن هل ينتج من ذلك وجوب القول بأن كل الموجودات بيض حتى لا يسند شيء واحد إلى الموجود وإلى اللاموجود؟ أو لا يمكن أن يوجد بين الموجودات واحد لا يكون أبيض؟ وإذا كان الأمر هكذا على نقيض القاعدة العتيقة أن الموجود لا ينحصر في أن يكون له أكثر منه في ألا يكون له، فاللامتناهي قد يقبل أيضا سلبا ثانيا. وبالنتيجة فالموجود أيضا يمكن أن يكون لامتناهيا أو أن يكون له حد.
61
ولكن ربما يكون من غير المعقول أن تلزق اللانهاية باللاموجود؛ فإنه لا يمكن أن يقال على كل شيء إنه لامتناه لا لشيء إلا لأنه ليس له حد، كما أنه لا يقال مثلا على اللاموجود إنه غير متساو.
62
ولكن بما أن الله واحد، فلماذا لا يكون له حد؟ لا شك في ذلك، ولكن لا يمكن أن يكون له حد تلقاء إله آخر. إذا كان الله واحدا كله فيلزم أن تكون جميع أجزاء الله لا تكون أيضا إلا وحدة محضة؛ لأنه لا يفهم - إذا كانت الأشياء المتكثرة يحد بعضها بعضا بالتبادل - أنه يلزم على ذلك أن الأحد يكون لا حد له؛ لأن الكثرة والوحدة لهما عدة محمولات متشابهة تماما، والموجود مشترك بين إحداهما وبين الأخرى؛ فقد يكون من الغريب أن يذهب إلى إنكار وجود الله، ما دام وجود الكثرة أمرا مسلما حتى لا يشبه الله الأشياء في هذا المعنى.
63
لماذا الله مع كونه واحدا لا يكون متناهيا ولا يكون له حدود كما يقوله برمينيد، وهو يعترف لله بالوحدانية حين يشبه «بالفلك المستدير تماما والمتساوي في جميع النقط ابتداء من المركز ...»
Unknown page