كتاب (الجامع الصحيح) للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل (البخاري) جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، أجل الكتب الصحيحة نقلا ورواية، وفهما ودراية، وأكثرها تعديلا وتصحيحا وضبطا وتنقيحا، واستنباطا واحتياطا، وفي الجملة هو اصح الكتب المؤلفة فيه على الإطلاق والمقبل عليه بالقبول من أئمة الآفاق، وقد فاق أمثاله في جميع الفنون والأقسام، وخصّ بالمزايا من بين دواوين الإسلام تشهد له بالبراعة والتقدم الصناديد العظام، والأفاضل الكرام، وفوائد هذا الكتاب العظيم الشأن الرفيع المقدار، الذي يستشفى ببركاته ويستسقى بختماته أكثر من أن تحصى وأغزر من أن تستقصى وكيف لا وهو شامل لأكثر أقوال النبي ﷺ وأفعاله وأحواله متناولا لأكثر أخباره وآثاره وأعماله وفيه مشاهده وغزواته، وأخلاقه، ومعجزاته، وكرمه آدابه، ومناقب أصحابه، إلى غير ذلك مما لا يخفى من غموض الاستنباطات التي ترجم عليها في الأبواب والإشارة إلى المذاهب المستخرجة من الأحاديث للأصحاب وإني لم أر له شرحا مشتملا على كشف بعض ما يتعلق من الكتاب فضلا عن كلها، أو مستقلا بما يتعلق بالبحث عن عويصاته فضلا عن جلّها، مع ارتحالي إلى بلاد كثيرة هي مظان وجدانه، ولم أظفر بعد التفتيش والتنقيب إلا على فقدانه، والشروح التي شرحها الشارحون لا تشفي عليلا، ولا تسقي غليلا، وهاهو ذا كتاب الإمام أبي الحسن علي بن خلف المالكي المغربي المشهور بابن بطال إنما هو غالبا في فقه الإمام مالك ﵁ من غير تعرض لما هو الكتاب مصنوع له، وكتاب الشيخ العلامة أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي شكر الله مساعيه فيه نكت متفرقات، ولطائف على سبيل الطفرات،وأما الذي ألفه الإمام العالم المشهور بمغلطاي التركي المصري فهو بكتب تتميم الأطراف أشبه، وبصحف تصحيح التعليقات أمثل، فكأنه من إخلائه عن مقاصد الكتاب على ضمان، ومن شرح ألفاظه وتوضيح معانيه على أمان، ولا أقول ذلك والله أعلم به غضا من مراتبهم الجليلة العلية. أو وضعا من رفيعات أقدارهم الشريفة السنية، حاشا من ذلك، وكيف وإني مقتبس من لوامع أنوارهم الشارقات، ملتمس من جوامع آثارهم البارقات، فهم القدوة وبهم الأسوة، ﵃ وعن جميع أسلافنا أئمة جابوا في تحصيلها الفلوات، ونسوا في خدمتها اللذات والشهوات، ومارسوا الدفاتر، وسامروا المحابر، فأجالوا في نظم قلائدها أفكارهم وأنفقوا على اقتناص شواردها أعمارهم، ووقفوا لتقييد أوابدها ليلهم ونهارهم فأخذوا وبلغوا، وأصّلوا وفصّلوا، ومهّدوا وأسّسوا، وجمعوا وفننوا، ووضعوا وأتقنوا، وألّفوا وصنّفوا ورتّبوا ودوّنوا، وفرّعوا وبوّبوا، وصحّحوا ونقحوا، صانوها عن
1 / 3