لا لا لا أريد أن يراني أحد هنا. (2) النهاية
صباح اليوم التالي أذاعت الأنباء خبر وفاة الكاتبة الكبيرة «أ. د. المصري» حرم السيد الوزير لشئون النشر والطبع، وأقيم المأتم الكبير في المسجد الشهير في ميدان التحرير، حضره جميع الوزراء والسفراء وكبار رجال الدولة، الذين جلسوا في الصوان الفخم، بالنظارات السوداء فوق العيون، الربطات السود حول الأعناق، والحديث الخافت يجري بينهم حول آخر الأنباء، الحرب القادمة، أسعار البورصة والكتب المطبوعة في الأسواق.
على الدكة الخشبية في الليل كانت فتاة الليل، وكانت هي الوحيدة التي تبكي، لكن ...
القاهرة، أكتوبر 2000
نحو تحرير العقل المصري
(1) الفكر النظري المنفصل عن الواقع
خلال السنوات الخمس التي كنت فيها أستاذة زائرة في جامعة ديوك بمدينة ديرهام في ولاية نورث كارولاينا، التقيت مع بعض المفكرين الأمريكيين الماركسيين، وكان أحدهم وهو فريدريك جيمسون زميلا في ديوك - وهو لا يزال أستاذا في ديوك - وله عدد من المؤلفات في الثقافة ينتقد فيها العولمة والرأسمالية الأمريكية الأخيرة أو المتأخرة.
كان فريد (وهو اختصار اسم فريدريك جيمسون) يستمد سلطته الفكرية على الأساتذة الآخرين في الجامعة من سلطته الإدارية، فهو رئيس القسم الأدبي والفني، وهو صاحب القرار بشأن تجديد عقود العمل للأساتذة الآخرين، وكان الأساتذة من العالم الثالث يتحاشون نقد أفكاره خوفا من عدم تجديد العقد.
لا شك أن بعض أفكار فريد جيمسون متقدمة وناقدة بشدة لعيوب الرأسمالية الأمريكية والعولمة، إلا أن أفكاره تظل قاصرة عن فهم المشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد فيما يسمى العالم الثالث، إن التسمية نفسها «عالم ثالث» تؤكد النظرة الاستعلائية الأمريكية للبلاد الأخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وبلادنا العربية، وكان فريد جيمسون يعتبر عقله وفلسفته هي الحقيقة غير الأوروبيين أو اليابان وغيرهم مما يسمى العالم الأولى، وهذه نظرة رأسمالية تعتبر المفكرين في العالم الثالث أدنى من زملائهم في العالم الأول.
إلى جانب ذلك فإن أفكار فريد جيمسون نفسها كانت مليئة بالثغرات غارقة في التجريدات والنظريات المنفصلة عن الواقع، فهو يعيش في أمريكا، ولا يكاد يعرف شيئا عن الواقع في بلادنا، رغم ذلك هو يتحدث معنا كأنما هو يعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا وواقعنا الذي نعيشه.
Unknown page