182

من يحكم على العمل الإبداعي في بلادنا، فيقول هذه الرواية تجاوزت المحرمات الدينية أو الأخلاقية أو السياسية؟! وبالتالي لا بد أن تمنع من النشر، ولا بد من عقاب مؤلفها؟

هذا السؤال هام، ومطلوب عمل حوار فكري عميق حوله؛ لأنه يمس أهم شيء في حياتنا، وهو العقل الإبداعي الذي يمكن أن يكتشف الجديد في العلم أو الأدب أو الفن أو الفلسفة أو السياسة أو الاقتصاد ... إلخ.

إنه يمس صميم الأزمة الفكرية التي تعاني منها بلادنا ، والتي تجعلنا مستهلكين للاكتشافات العلمية والفنية في العالم، وعاجزين عن إنتاجها أو المشاركة في إنتاجها.

والمشكلة تكمن في رأيي في كلمة واحدة هي «الخوف» الذي نتربى عليه من الطفولة، الخوف من العقاب في الدنيا أو الآخرة إن تجاوزنا المحرمات الموروثة والمفروضة علينا تحت اسم السياسة أو الدين أو الأخلاق.

إن كل اكتشاف علمي أو فني جديد قد اصطدم على نحو ما بالثالوث المحرم: «السياسة والدين والجنس».

لقد حرق الفلاسفة والعلماء في تاريخ البشرية الذين تجرءوا على الكنيسة والنظام السياسي الحاكم، وتم إهدار دم المفكرين من النساء والرجال في جميع أنحاء العالم تحت اسم الدين أو الأخلاق، أو السلام الاجتماعي والسياسي.

وقد ثبت أن هؤلاء المبدعين والمبدعات الذين أدينوا في حياتهم (من نظمهم السياسية والدينية) أنهم كانوا أكثر أخلاقا وأكثر فضيلة من هؤلاء الذين حكموا عليهم.

لأن الأخلاق والفضيلة هي العدل والحرية والحب، إن النظم السياسية أو الاجتماعية أو الدينية التي لا تقوم على العدل والحرية والحب هي التي تعادي الفضيلة، وهي التي تنتهك الأخلاق والمحرمات، وليس المبدعين أو ذوي العقل الإبداعي الحر.

وفي بلادنا هناك فصل غريب بين ما يسمى الحرية والعدل، وبين ما يسمى الديمقراطية، لا زالت بلادنا العربية محكومة بنظم سياسية واقتصادية وثقافية بعيدة كل البعد عن العدل والحرية، ومع ذلك تسمى نفسها بلادا ديمقراطية.

كأنما الديمقراطية هي فقط تكوين أحزاب وانتخابات، وقد ثبت في العالم اليوم أن هذه الديمقراطية زائفة؛ لأنها لا تقوم على الحرية الحقيقية أو العدل الحقيقي بين المواطنين نساء ورجالا، فقراء وأغنياء، حكاما ومحكومين.

Unknown page