Kashshaf
الكشاف
Publisher
دار الكتاب العربي
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٠٧ هـ
Publisher Location
بيروت
والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله ﵇: «الحمد رأس الشكر، ما شكر اللَّه عبد لم يحمده» «١» وإنما جعله رأس الشكر لأنّ ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كلّ خفى ويجلى كل مشتبه.
والحمد نقيضه الذمّ، والشكر نقيضه الكفران، وارتفاع الحمد بالابتداء وخبره الظرف الذي هو للَّه وأصله النصب «٢» الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله على أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم: شكرًا، وكفرًا، وعجبًا، وما أشبه ذلك، ومنها: سبحانك، ومعاذ اللَّه، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدّون بها مسدّها، لذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، والعدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى واستقراره. ومنه قوله تعالى: (قالُوا سَلامًا قالَ سَلامٌ)، رفع السلام الثاني للدلالة على أنّ إبراهيم ﵇ حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدّده وحدوثه. والمعنى: نحمد اللَّه حمدًا، ولذلك قيل:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لأنه بيان لحمدهم له، كأنه قيل: كيف تحمدون؟ فقيل: إياك نعبد. فإن قلت:
ما معنى التعريف فيه؟ قلت: هو نحو التعريف في أرسلها العراك، «٣» وهو تعريف الجنس،
_________
(١) . أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما به مرفوعا، وفيه انقطاع وعن ابن عباس مثله، رواه البغوي في تفسير (سبحان) وفيه نصر بن حماد. وهو ضعيف.
(٢) . قال محمود ﵀: «الأصل في الحمد النصب … الخ» قال أحمد: ولأن الرفع أثبت اختار سيبويه في قول القائل: رأيت زيدًا فإذا له علم علم الفقهاء: الرفع، وفي مثل: رأيت زيدًا فإذا له صوت صوت حمار: النصب، والسر في الفرق بين الرفع والنصب أن في النصب إشعارًا بالفعل، وفي صيغة الفعل إشعار بالتجدد والطرو، ولا كذلك الرفع، فانه إنما يستدعى اسما: ذلك الاسم صفة ثابتة، ألا ترى أن المقدر مع النصب نحمد اللَّه الحمد. ومع الرفع الحمد ثابت للَّه أو مستقر.
(٣) . قال محمود ﵀: «وتعريف الحمد نحو التعريف في أرسلها العراك وهو تعريف الجنس ومعناه الخ» قال أحمد ﵀: تعريف التكرار باللام إما عهدى وإما جنسى، والعهد إما أن ينصرف العهد فيه إلى فرد معين من أفراد الجنس باعتبار يميزه عن غيره من الأفراد كالتعريف في نحو (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)، وإما أن ينصرف العهد فيه الى الماهية باعتبار يميزها عن غيرها من الماهيات كالتعريف في نحو «أكلت الخبز، وشربت الماء»، والجنسي هو الذي ينضم إليه شمول الآحاد، نحو: الرجل أفضل من المرأة، وكلا نوعي العهد لا يوجب استغراقها، وإنما يوجبه الجنسي خاصة فالزمخشرى جعل تعريف الحمد من النوع الثاني من نوعي العهد، وإن كان قد عبر عنه بتعريف الجنس لعدم اعتنائه باصطلاح أصول الفقه. وغير الزمخشري جعله للجنس فقضى بافادته، لاستغراق جميع أنواع الحمد وليس ببعيد. [.....]
1 / 9