نشرى، إلا من له شوق صحيح، وذوق صريح، ومن هو على زهد المسيح، وصبر الذبيح، فأنا رفيق السواح، في الغدو والرواح، فإفوز بالأجور، وأسلم من حضور أهل الفجور، ومن يقترف المعاصي بالجحور، فلا أحضر على منكر، ولا أجلس عند من يشرب ويسكر، فأنا الحر الذى لا يباع في الأسواق، ولا ينادى على بالنفاق، في سوق النفاق ولا يحضرني الفساق، ولا ينظرني إلا من شمر عن ساق، وركب على جواد العزيمة وساق، فلو رأيتنى في البوادى، يهيم بي النسيم في كل وادى، أعطر النادى وأروح البادى، إن عرض بذكرى الحادى، حن إلى كل رائح وغادى، وفي ذلك أقول:
يُحَدِّثُنَى النَّسِيمُ عَنِ الخُزَامِى ... وَيُقْرِينى عَنِ الشِّيحِ السَّلاَمَا
فَهِمْتُ بما فَهِمْتُ وَطِبْتُ وَجْدًا ... فَمَا أَحْلاهُ لِى لَوْ كَانَ دَاما
وَتَسْرِى تَحْتَ جُنَح اللَّيل شِرًّا ... فَتُوقِظُنى وَقَدْ هَجَعَ النِّيَامَا
فَأْسكِرُ من شَذَاهَا حَينَ هبَّتْ ... كَأَنِّى قَدْ تَرَشَّفْتُ المَدَامَا
تُعَارِضُنِى بِأَنْفَاسٍ مِرَاضٍ ... كَأَنْفَاسِى وَقَدْحُشِيتُ غَرَامَا
وقد عُرِفَتْ بِطِيب العُرْفِ لمَّا ... كَسَاهَا اللُّطْفُ أَخْلاَقًا كِرَامَا
أَهِيمُ بنشرها طَرَبًا وَسَكْرًا ... فَيُبْدِى البَرْقُ مِنْ طَرَتِى ابتسَامَا
تَمُرّ عَلَى الرِّيَاضِ رِيَاضِ نَجْدٍ ... فَتَنْعَطِفُ الغُصُونُ لَها احْتِشامَا
وَيُقْلِقُنِى حِمَامُ الأَيْكِ نوْحًا ... وَتُذكِّرُنِى المَنَازِلَ والخِيَامَا
خِيَامٌ تجمعُ الأَحْبَابَ فِيها ... وَفِيها يَبْلُغُ القَلْبُ المَرَامَا
وَتجَلَّى وَجْه مَنْ فيها ... بِبَهْجَةِ نَوْرِهِ يُجَلِّى الظَّلاَمَا
1 / 70