لم أدر ماذا أقول وعاودني الخوف. - لقد اعترف، ومن حسن حظه أيضا أنه قد ثبت أنه لا ينتمي لتنظيم أو حزب، ونحن نصيد اليوم العاملين لا الهواة!
فاستعدت الأمل في النجاة فقال: واضح أنك تلتزم بالصمت احتراما لعهد الصداقة!
وسكت لحظة ثم استطرد: وذاك الإيمان بالصداقة يجعلنا نطمع في صداقتك!
ترى متى يأمر بالانصراف؟ - كن صديقا لنا، قلت إنك تنتمي للثورة وأنا أصدقك، فلتكن صديقا لنا، ألا يرضيك ذلك؟ - إنه ليسعدني يا سيدي. - كلنا أبناء ثورة واحدة وواجب علينا أن نصونها بقوة، أليس كذلك؟ - طبعا. - ولكن لا بد من موقف إيجابي، نريد صداقة إيجابية! - إني أعتبر نفسي صديقا منذ البدء. - أيرضيك أن تعلم بأن شرا يتهدد الثورة وتسكت عنه؟ - كلا! - هذا ما نطالبك به، وستذهب إلى زميل ليهديك سواء السبيل، ولكنني أحب أن أذكرك بأننا قوة تملك كل شيء، ولا تخفى عنها خافية، تكافئ الصديق وتنكل بالخائن!
وعند تلك الذكرى اسود وجهه واشتد أساه فتساءلت لأخفف عنه: أكان بوسعك أن ترفض؟
فقال بحزن: ستجد دائما عذرا ما، ولكن ذلك لا يجدي!
هكذا رجع من معتقله مرشدا ذا مرتب ثابت وضمير معذب، وحاول أن يسوغ عمله بانتمائه الثوري، ولكن القلق لم يفارقه أبدا. - لأول مرة أجتمع بزينب وأنا غريب لدرجة، لي حياتي السرية الخاصة المجهولة لها والتي يجب أن تظل مجهولة. - أخفيت عنها الأمر؟ - نفذت الأوامر والإرشادات. - لتلك الدرجة آمنت بقوة تسلطهم؟ - أجل، وهو إيمان حقيقي، يضاف إليه الخوف الذي استهلك روحي ... وشعوري بالسقوط، ولم أفلح في إقناع نفسي بالشرف، فكان علي أن أستهتر بكل شيء، ولم يكن ذلك باليسير علي نظرا لتركيبي الأخلاقي واستقامتي الروحية فوقعت في التخبط والعذاب ... والأدهى من ذلك أنني وجدت زينب في صورة جديدة تغشاها كآبة عميقة، ولا أثر فيها للشعور بالنجاة فزدت إحساسا بالغربة. - ولكنها صورة متوقعة كما أنها قابلة للتغير. - ولكني لم أعثر على زينب الأصلية أبدا، وكانت ذات روح مرحة وثابة، وكان يخيل إلي أن روحها لا يمكن أن تقهر، ولكنها انتهت، وحاولت تشجيعها، ولكنها فاجأتني مرة بقولها: ما أحوجك أنت إلى من يشجعك!
وحدث أمر خارق في الأسبوع الأول عقب الإفراج عنه. كانا يسيران معا بعد الانصراف من الكلية فسألته: أين تذهب؟ - إلى الكرنك ساعة ثم إلى البيت.
فقالت وكأنما تخاطب نفسها: أود أن أخلو إليك بعض الوقت.
خيل إليه أن ثمة سرا يريد أن ينجلي فقال: نذهب إلى حديقة. - أريد مكانا آمنا!
Unknown page