Karahiyya Sadaqa Ghazal Hubb Zawaj
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
Genres
لم يكن هناك بأس من جهلي باللعبة - بالطبع لم أقم بدور مساعده حقا - ولم أصب بالملل؛ كل ما كان علي القيام به هو أن أتبعه هنا وهناك، وأن أراقبه. لم يكن علي حتى أن أراقبه؛ كان يمكنني مراقبة الأشجار على حواف المضمار - كانت أشجارا طويلة برءوس مسننة كالريش وجذوع نحيلة، ولم أكن أعرف اسمها على اليقين، أهو أكاسيا؟ - وكانت الرياح بين الحين والآخر تعكر هدوءها، رياح لم يكن بوسعنا نحن الشعور بها تهب هنا بالأسفل على الإطلاق. كما كانت هناك أسراب من الطيور، لعلها شحارير أو زرازير، تتطاير معا بحس من الإلحاح الجماعي، ولكنها تطير فقط من رأس شجرة إلى أخرى. تذكرت الآن أن الطيور كانت تفعل ذلك في أغسطس أو حتى في أواخر شهر يوليو حين تبدأ اجتماعاتها الكبرى الصاخبة تلك؛ استعدادا للهجرة جنوبا.
تحدث مايك بين الحين والآخر، ولكن نادرا ما كان حديثه موجها إلي، ولم يكن علي أن أجيب حديثه هذا، والحقيقة أنه ما كان بوسعي ذلك. ومع ذلك، فقد شعرت أنه كان يتحدث أكثر مما يتحدث به الرجل حين يلعب هنا بمفرده تماما. كانت كلماته غير المترابطة تتراوح ما بين توبيخات وتهنئات محتاطة وتحذيرات لنفسه، هذا إذا نطق بكلمات مفهومة على الإطلاق؛ إذ كان يتفوه بنوع من الغمغمة يقصد بها أن تنقل معنى ما، وكانت تنقل بالفعل معنى ما، ولكن فقط في حالة العلاقة الحميمة الطويلة الأمد بين شخصين عاشا على مقربة طوعا لا كرها.
كان هذا ما يفترض بي أن أفعله عندئذ؛ أن أمنحه فكرة مضخمة وموسعة عن نفسه، فكرة أكثر مدعاة للارتياح، ربما تكون إحساسا مطمئنا ببطانة إنسانية تحيط بعزلته. لم يكن يتوقع هذا كما حدث بالضبط، أو يطلبه بشكل طبيعي ويسير إلى هذا الحد، لو أنه كان رجلا آخر، أو لو أنه كان بصحبة امرأة لم يشعر معها بشيء من الرابطة الراسخة.
لم أتأمل في كل هذا طويلا. كان ذلك كله مندمجا فيما شعرت به من سرور يغمرني ونحن نسير حول مسارات الجولف. أما الشهوة التي كانت قد رمتني بزخات من الألم في الليل فقد تطهرت كلها الآن وهذبت لتصبح لسان لهب هادئا ومهندما، يقظا وأنثويا. تبعته وهو يتجهز ويختار ويفكر وينظر مقدرا ويتمايل متأرجحا، وراقبت مسار الكرة، الذي بدا لي دائما صائبا تماما، لكن بالنسبة إليه كانت فيه مشاكل غالبا، ثم كنت أتبعه إلى موقع تحدينا التالي، مستقبلنا القريب.
لم نكد نتحدث بالمرة ونحن سائران هناك. تساءلنا: هل ستمطر؟ هل تحسين بقطرة مطر؟ ظننت أنني أحسست بذلك. ربما لا. لم يكن هذا حديث طقس مما تمليه اللياقة، بل كان كله في سياق اللعبة. هل سننهي دورة الجولف أم لا؟
وكما اتضح فإننا لم ننهها؛ فقد سقطت قطرة مطر، قطرة مطر لا شك فيها، ثم أخرى، ثم رذاذ خفيف. نظر مايك على طول امتداد المضمار، إلى حيث كان السحاب قد تبدل لونه، فازرق زرقة داكنة بعد أن كان أبيض، ثم قال دون انزعاج خاص أو خيبة أمل: «ها هو طقسنا أتى أخيرا.» وبدأ يجمع الأشياء في نظام وترتيب ويحزم حقيبته.
كنا في تلك اللحظة في أبعد نقطة ممكنة عن مبنى النادي. زادت حركة الطيور واضطرابها، وكانت تدور من فوقنا وهي قلقة مترددة. كانت هامات الأشجار تتمايل، ثم كان هناك صوت - بدا كما لو أنه يصدر من فوقنا - مثل صوت موجة ممتلئة بالأحجار تتحطم على الشاطئ. قال مايك: «لا بأس إذن. من الأفضل أن ندخل إلى هنا.» وأخذني من يدي وأسرع راكضا عبر العشب المجزوز إلى الشجيرات والأعشاب الطويلة النامية ما بين المضمار والنهر.
كان للشجيرات القائمة على حافة مرج العشب المستوي أوراق داكنة ومظهر رسمي تقريبا، كما لو كانت سياجا موضوعا هناك عن قصد، ولكنها بدت متكتلة معا وكأنما نمت على نحو بري دون اعتناء. كما بدت أيضا مصمتة لا يمكن الدخول إليها، ولكن حين اقتربنا منها وجدنا فتحات صغيرة، طرقا ضيقة اصطنعتها حيوانات أو أشخاص بحثا عن كرات الجولف. كانت الأرض منحدرة هونا نحو الأسفل، وبمجرد أن يتجاوز المرء جدار الشجيرات غير المنتظم، يمكنه أن يرى جزءا من النهر، ذلك النهر الذي كان في الحقيقة السبب وراء لافتة البوابة، وعليها اسم النادي؛ «نادي جولف شاطئ النهر». كان الماء رماديا لامعا كالفولاذ، وبدا كأنه يتدفق ولا يتكسر إلى مزق صغيرة كما قد يكون عليه ماء بركة، في نوبة الطقس الحادة هذه. بيننا وبين الماء، كان هناك مرج من الأعشاب المتنوعة، وقد بدت جميعا مزهرة؛ عشبة عصا الذهب، والبلسم بأجراسه الحمراء والصفراء، وشيء آخر ظننت أنه نباتات مزهرة من القراص الشائك بعناقيدها البنفسجية القرنفلية، وزهراتها النجمية البرية. كانت هناك كرمة عنب أيضا، تتشبث وتصعد على أي شيء تجده في طريقها، وتتشابك في الأسفل. كانت التربة ناعمة، لكنها ليست ثخينة تماما. حتى النباتات رقيقة المظهر، ذات السيقان الأشد رهافة كانت قد نمت عاليا في مستوى رأسينا، أو أعلى منهما. حين وقفنا وتطلعنا عبرها، كان بوسعنا أن نرى الأشجار على مسافة يسيرة تهتز كأنها مجرد باقات من الزهر. كان هناك شيء ما يقترب، من اتجاه السحابات السوداء؛ كان المطر الحقيقي آتيا نحونا، من وراء هذا الرشاش الخفيف الذي يصيبنا برذاذه، غير أنه بدا أكثر من مجرد مطر. بدا كما لو كان قطعة هائلة من السماء قد انتزعت نفسها وأخذت تهبط، في ضجيج وعزم ثابت، متخذة شكلا لا يمكن تحديده ولكنه شكل حيوي كأنه ذو روح. كانت ستائر من مطر - ليست غلالات خفيفة وإنما ستائر غليظة حقا تضرب بوحشية - تسبقها وتمهد لها. كان بوسعنا أن نراها بكل وضوح تقترب، على الرغم من أن كل ما كنا نشعر به، حتى حينذاك، ليس إلا تلك القطرات الخفيفة والكسولة. بدا الأمر تقريبا كما لو كنا نتطلع عبر نافذة، من دون أن نصدق تماما أن النافذة سوف تتحطم، إلى أن تحطمت بالفعل، وضربتنا الأمطار والريح معا في اللحظة ذاتها، وارتفع شعري كمروحة قائما حول رأسي. أحسست كما لو أن جلدي قد يفعل بالمثل بعده.
حاولت أن أستدير عندئذ، ساورتني نزوة، لم أشعر بها فيما سبق، بأن أخرج راكضة من بين الشجيرات متوجهة صوب مبنى النادي. ولكني لم أستطع حراكا؛ كان مجرد الوقوف صعبا بما فيه الكفاية، أما هناك خارج الشجيرات فقد تقتلعك الريح لتطرحك أرضا في لمح البصر.
اقترب مايك مني حتى صار قبالتي، منحني الظهر، ناطحا برأسه الأعشاب في مواجهة الريح، وهو يمسك بذراعي طوال الوقت. ثم واجهني تماما، واضعا جسده بيني وبين العاصفة. لكن ذلك لم يكن له أي تأثير إلا ما قد يكون لعود تنظيف الأسنان. قال شيئا، أمام وجهي مباشرة، لكني لم أسمعه. كان يصيح، ولكن لم يمكن لأي صوت صدر عنه أن يبلغ مسمعي. أمسك الآن بكلتا ذراعي، ثم أنزل يديه نحو معصمي وأحكم الشد عليهما بقوة. سحبني لأسفل - كان كلانا يترنح بمجرد أن نحاول أن نغير من وضعنا ولو بأهون درجة - بحيث صرنا جاثمين متكورين كأقرب ما يكون إلى الأرض، ومنضمين معا للغاية بحيث لا يستطيع أحدنا رؤية الآخر؛ فلم يكن بوسعنا إلا النظر للأسفل، حيث الأنهار الصغيرة التي بدأت تشق الأرض من حول أقدامنا بالفعل، والنباتات المسحوقة، وأحذيتنا المنقوعة بالمياه. وحتى إننا ما كنا لنرى هذا كله إلا من وراء شلال يهطل نزولا على وجهينا.
Unknown page