Kenaz al-Fawa'id
كنز الفوائد
ولا يزيله عن رتبته وعقله بل يكون فيما فعله حكيما وبدفع المضرة عنه عليما وكالقاضي الذي دخلت ذبابة في ثوبه وحصلت بينه وبين جسمه وهو بين شهوده وفي مجلس قضائه وحكمه فازجرته باذيتها واقلقته بثقلها واخذ يتحرك لها انواع الحركة ويتلوى منها الى كل جهة ويكثر من توقفه واضطرابه ويطيل تطلعه في ثيابه والناس يشاهدون افعاله ولا يعرفون فلما دام امرها وطال لبثها حسن منه النهوض عن مجلسه والخلو لازالتها بنفسه فالجاهل من سارع الى سوء الظن به وقدم على استنقاصه في فعله والعاقل الذي يعلم ان امرا قد دهمه وشيئا الجاه الى ما ظهر منه واضطره ونحو هذا من الافعال العجيبة والاحوال الطريفة الذي يتفق لذوي العقول السليمة والاراء الصحيحة فيقع منهم اكثر مما ذكرت وفوق ما وصفت ويكون الواجب تصويبهم فيه وان لم يعلم الاسباب الداعية لهم إليه ولقد اضطررت يوما الى الحضور مع قوم من المتصوفين فلما ضمنا المجلس اخذوا فيما جرت به عادتهم من الغناء والرقص فاعتزلتهم الى احدى الجهات وانضاف الى رجل من أهل الفضل والديانات فتحادثنا ذم الصوفية على ما يصنعون وفساد اغراضهم فيما يتاولوه وقبح ما يفعلون من الحركة والقيام وما يدخلون على انفسهم في الرقص من الالام فكان الرجل لقولي مصوبا وللقوم في فعلهم مخطئا ولم نزل كذلك الى ان غنى مغني القوم هذه الابيات * وما ام مكحول المدامع ترتعي * ترى الانس وحشا وهي تانس بالوحش * غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه * فلم تلف شيئا من قوائمه الخمش * فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت * سباع الفلا ينهشنه ايما نهش * باوجع مني يوم ظلت انامل * تودعني بالدر من شبك النقش * فلما سمع صاحبي نهض مسرعا مبادرا ففعل من القفز والرقص والبكاء واللطم وما يزيد على ما فعله من قبله ممن كان يخطئه ويستجهله واخذ يستعيد من الشعر ما لا يحسن استعادته ولا جرت عادتهم بالطرب على مثله وهو قوله * فطافت بذاك القاع ولهى * فصادفت سباع الفلا ينهشنه ايما نهش * ويفعل بنفسه ما حكيت ولا يسئل من غير هذا البيت حتى بلغ من نفسه المجهود ووقع كالمغشى عليه من الموت فحيرني ما رايت من حاله واخذت افكر في افعاله
--- [ 223 ]
Page 222