173

لا يفرط فيما أمر به وليس عدم علمنا باسباب فعله ضارا لنا ولا قادحا فيما نحن عليه من اعتقادنا واصلنا فكذلك قولنا في سبب غيبة امامنا وصاحب عصرنا وزماننا صلوات الله عليه ويشبه هذا ايضا من اصول الشريعة عن السبب في ايلام الاطفال وخلق الهوام والمسمومات من الحشائش والاحجار ونحو ذلك مما لا يحيط أحد بمعرفة معناه ولا يعلم السبب الذي اقتضاه فإن الواجب علينا ان نرد ذلك الى اصله ونقول ان جميعه فعل من ثبت الدليل على حكمته وعدله وتنزهه عن العيب في شئ من فعله وليس عدم علمنا باسباب هذه الافعال مع اعتقادنا في الجملة انها مطابقة للحكمة والصلاح بضار لنا ولا قادح في صحة اصولنا لانا لم نكلف اكثر من العلم بالاصل وفي هذا كفاية لمن كان له عقل وهكذا ايضا يجري الامر في الجواب ان توجه الينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين عليه السلام عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقعد عن محاربة من بعدهم من الفرق الثلاث والاصل في هذا كله واحد وما ذكرناه فيه كاف للمسترشد فإن قال السائل لنا جميع ما ذكرته من افعال الله عزوجل فلا شبهه في انه اعرف بالمصالح فيها وان الخلق لا يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها وأما النبي صلى الله عليه واله وما جرى من امره في عام الحديبية فانه علم المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه فمن اين لامامكم علم المصلحة في ذلك وهو لا يوحى إليه قيل له ان كان امامنا عليه السلام اماما فهو معهود إليه قد نص له على جميع ما يجب تعويله عليه واخذ دلك وامثاله عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه واله ولنا ايضا مذهب في الالهام وعندنا ان الامام عليه السلام يصح ان يلهم من المصالح والاحكام ما يكون هو المخصوص به دون الانام ثم انا نتبرع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الذي تقدم فيه السؤال وان كان غير لازم لنا في الجواب فنقول ان السبب في غيبة الامام عليه السلام اخافة الظالمين له وطلبهم سفك دمه واعلام الله انه متى ابدى شخصه لهم قتلوه ومتى قدروا عليه اهلكوه فحصل ممنوعا من التصرف فيما جعل إليه من شرع الاسلام وهذه الامور التي هي مردودة إليه ومعول في تدبيرها عليه فانما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكن والقدرة وعدم المنع والحيلولة وازالة المخافة على النفس والمهجة فمتى لم يكن ذلك فالتقية واجبة والغيبة عند الاسباب الملجئة إليها لازمة لأن التحرز من المضار واجب عقلا وسمعا وقد استتر النبي صلى الله عليه واله في غار حراء ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الاعداء فإن قال السائل ان استتار النبي عليه السلام كان مقدارا يسيرا لم يمتد به الزمان وغيبة صاحبكم قد تطاولت بها الاعوام قيل له ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان لأن الغيبتين جميعا سببهما واحد وهما المخافة من الاعداء فهما في الحكم سواء وإنما قصر زمان احداها لقصر مدة المخافة فيها وطول زمان الاخرى لطول زمان

--- [ 174 ]

Page 173