Kalima Cala Riyad Basha
كلمة على رياض باشا: وصفحة من تاريخ مصر الحديث تتضمن خلاصة حياته
Genres
كان ذلك في سنة 1880 حينما كانت مقاليد نظارة الداخلية بيد رياض، وكانت تلك البقعة تعرف في ذلك الوقت باسم مدرسة بنات الأمراء. ولقد أعرب في كتابه الفرنسي المؤرخ في 4 فبراير نمرة 564 عن مزيد سروره من تمكنه من مساعدة المجمع العلمي بهذه المنحة الباقية إلى عهدنا هذا، وقد كان مقر هذا المجمع بمدينة الإسكندرية قبل ذلك اليوم. وبهذه المناسبة توجه وفد من زملائنا السابقين إلى نظارة الداخلية ليشكروا زميلهم الوزير. ومما يحسن ذكره في هذا المقام أن انتظام رياض في سلك هذا المجمع كان في 14 يونيو سنة 1874.
ولم تقتصر خدمة رياض للعلم وأهله على هاتين الجمعيتين، بل قد امتاز بتعضيد الصحافة العربية على اختلاف المشارب والغايات، وحسبي أن أقول (ولا يستطيع معترف بالجميل أن ينكر علي قولي): إنه لولا رياض، لما كان للجرائد السياسية والمجلات العلمية هذا الصوت العالي الذي تتجاوب أصداؤه في مشارق البلاد ومغاربها.
سلوا من سبقوه إلى عالم الهنا، فهم الشهود العدول؛ سلوا محمد عبده وأديبا إسحاق، وسائلوا عبد الله النديم وسليما النقاش، واستخبروا إبراهيم المويلحي وسليما تقلا والسيد وفا زغلول وبشاره تقلا، بل عليكم بأبي السعود وأمين شميل، وإبراهيم اللقاني، وجرجس ميلاد . فإن لم يجيبوكم حوارا أجابوكم اعتبارا. وكيف لا؟ وقد تركوا بين أيدينا من أياديه مآثر وآثارا. بل هؤلاء الأحياء وهم كثير،
ولا ينبئك مثل خبير .
على أن هذه العناية لم تقتصر على أهل الصحافة؛ فقد كان رياض وسيع الجناب لأهل التأليف والنشر والترجمة.
وماذا أذكر وماذا أترك؟ فالمجال فسيح ولكن الوقت يضيق عن سرد الأسماء، فأكتفي بالإشارة إلى بيت البستاني، وقد جرت العادة بأن البستاني هو الذي يوالي الرياض، ولكن رياضنا هو الذي أولى البستاني نفحات تتلوها نفحات.
أفراد هذا البيت - وكلهم أفراد - لا يزالون يرطبون ألسنتهم بمديح رياض، ويشكرون إحياءه لهم وإعلاءه ذكرهم وتنويهه بقدرهم؛ لأنه هو الذي كانت له المأثرة الأولى واليد الطولى في ظهور ذلك السفر الحافل الذي تفتخر به اللغة العربية في العصر الحديث، أعني به دائرة المعارف التي هي آية الفخر لعميدهم الجليل المعلم بطرس البستاني ولبقية أهل بيته من بعده.
فهل يقوم بعد رياض من يكمل عمل رياض مع دوحة البستاني؟ أم يبقى العمل مبتورا بعد ذهاب ذلك العميد وذلك العماد؟ إنني أغتنم فرصة هذا الموقف الجليل، بين أيدي الغطاريف البهاليل، من سروات وادي النيل، لإبداء أمنية لا تزال تتردد بين جوانحي، وهي أن يوفقنا الله ويمن علينا بوجود القادرين على التمام.
وما أكثر نظائر البستاني من المؤلفين والمترجمين والباحثين! قد كانت لهم من معونة رياض قوة فوق قوتهم اقتحموا بها غمار النبوغ والشهرة، وكانوا له خير معوان على النهضة بالأمة وترقية المعارف.
وما لي وللأشخاص وها هو بين أيدينا أثر عظيم ينطق ليلا ونهارا بفضل ذلك الراحل العظيم؟ وأعني به دار الكتب الخديوية، فإن يكن فقيد العلم المغفور له علي باشا مبارك هو الذي جمع شتاتها ولم شعثها، فقد كان لرياض يد طائلة في ضمان مستقبلها وتوفير خيراتها المعنوية إلى ما شاء الله؛ فهو الذي أقنع سيد النيل ورب النيل بإيقاف الأطيان الدارة عليها وقدرها 1800 فدان، وناب عن مولاه الكريم في تحرير حجة الإيقاف. ولذلك سيبقى اسمه مقرونا باسمها، ما دام العلم مرفوع المنار! وها هي الآن قد أصبحت قطوفها دانية، ووفودها متزاحمة في الليل وفي النهار بفضل عناية الوزارة السعيدية الحاضرة في ظل ولي الأمر في مصر حفيد «محمد علي» ولا فخر الجالس على تخت المعز
Unknown page