4-
أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم بن محمد بن سعدويه المزكي الأصبهاني ببغداد، أنا أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي المقرئ، أنا أبو القاسم جعفر بن عبد الله بن يعقوب بن فناكي الرازي، ثنا أبو بكر محمد بن هارون الروياني، ثنا محمد بن مهدي العطار المصري، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا صدقة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن حماد بن أبي سليمان:
((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل أعمى مقعد فقال: أما كان هذا يسأل الله العافية؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أما تعرف هذا؟
[ص: 308]
هذا الذي بهله بريق، فقال عمر: إن بريقا لقب، ولكن ادع لي عياضا، فقال: حدثني حديث بني الضبعاء، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه حديث جاهلية، وإنه لا إرب لك به في الإسلام، قال: ذلك أحرى أن تحدثنا، فقال: إن بني الضبعاء كانوا عشرة، وكانت أختهم تحتي، فأرادوا أن ينزعوها مني، فنشدتهم الله والقرابة والرحم فأبوا إلا أن ينزعوها مني، فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله المحرم فقلت:
اللهم أدعوك دعاء جاهدا ... على بني الضبعاء فاترك واحدا
وكسر الرجل فدعه قاعدا ... أعمى إذا قيد يعني القائدا
قال: فهلكوا جميعا ليس هذا، فقال عمر رضي الله عنه: تالله ما رأيت كاليوم حديثا أعجب. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، أفلا أحدثك بأعجب من ذلك؟ قال: حدث حتى يسمع القوم، قال: إني كنت من حي من أحياء العرب فماتوا كلهم فأصبت مواريثهم، فانتجعت حيا من أحياء العرب يقال لهم: بنو المؤمل، كنت فيهم زمانا طويلا، ثم إنهم أرادوا أخذ مالي، فناشدتهم الله فأبوا إلا أن ينزعوا مالي، وقد كان منهم رجل يقال له: رياح، فقال: يا بني مؤمل، جاركم وخفيركم لا ينبغي لكم أخذ ماله، قال: فعصوه وأخذوا مالي، فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله المحرم فقلت:
اللهم أزلها عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل
بصخرة أو عرض جيش جحفل ... إلا رياحا إنه لم يفعل
قال: فبينا هم يسيرون في أصل جبل أو في سفح جبل إذ تداعى عليهم الجبل، فهلكوا جميعا، ليس رياحا نجاه الله، فقال عمر رضي الله عنه:
[ص: 309]
تالله ما رأيت كاليوم حديثا أعجب. فقام رجل من القوم فقال: يا أمير المؤمنين, أفلا أحدثك بأعجب من ذلك؟ فقال: حدث حتى يسمع القوم, فقال: إن أبي وعمي ورثا أباهما, فأسرع عمي في الذي له وبقي مالي, فأراد بنوه أن ينزعوا مالي, فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله المحرم فقلت:
اللهم رب كل آمن وخائف ... وسامعا نداء كل هاتف
إن الخناعي أبا تقاصف ... لم يعطني الحق ولم يناصف
فاجمع له الأحبة الألاطف ... بين القران السود والنواصف
قال: فبينا بنوه وهم عشرة في بئر يحفرونها إذ تهاوت عليهم البئر فكانت قبورهم, فقال عمر رضي الله عنه: تالله ما رأيت كاليوم حديثا أعجب. فقال القوم: يا أمير المؤمنين, أهل الجاهلية كان الله يصنع بهم ما ترى فأهل الإسلام أحرى بذلك, فقال: إن أهل الجاهلية كان الله يصنع بهم ما تسمعون ليحجز بعضهم عن بعض, وإن الله عز وجل جعل الساعة موعدكم, والساعة أدهى وأمر)) .
هذا منقطع بين حماد وعمر, وقد روي موصولا من وجوه أخر.
Unknown page