فاسدة في المنطق والطبيعيات والإلهيات، ولم يعرفوا ما دخل فيها من الباطل فصار ذلك سببًا إلى ضلالهم في مطالب عالية إيمانية، ومقاصد سامية قرآنية، خرجوا بها عن حقيقة العلم والإيمان، وصاروا بها في كثير من ذلك لا يسمعون ولا يعقلون، بل يسفسطون في العقليات، ويقرمطون في السمعيات.
والمقصود هنا التنبيه على أنه لو قدر أن النفس تكمل بمجرد العلم. كما زعموه، مع أنه قول باطل فإن النفس لها قوتان: قوة علمية نظرية، وقوة إرادية عملية، فلابد من كمال القوانين بمعرفة الله وعبادته، بجمع محبته والذل له، فلا تكمل النفس فقط. إلا بعبادة الله وحده لا شريك له.
والعبادة تجمع معرفته ومحبته والعبودية له، وبهذا بعث الله الرسول، وأنزل الكتب الإلهية كلها يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهؤلاء يجعلون العبادات التي أمرت بها الرسل. مقصودها إصلاح أخلاق النفس. لتستعد للعلم الذي زعموا أنه كمال النفس، أو مقصودها إصلاح المنزل والمدينة وهو الحكمة العلمية، فيجعلون العبادات وسائل محصنة إلى ما يدعونه من العلم. ولذلك يرون هذا ساقطًا عمن حصل المقصود، كما يفعل الملاحدة الإسماعيلية، ومن دخل في الإلحاد أو بعضه وانتسب إلى الصوفية أو المتكلمين أو الشيعة أو غيرهم فالجهمية قالوا. الإيمان مجرد معرفة الله. وهذا القول وإن كان خيرًا من قولهم فإنه جعله معرفة الله بما يلزم ذلك من معرفة ملائكته وكتبه ورسله. وهؤلاء جعلوا الكمال معرفة الوجود المطلق ولواحقه. وهذا أمر لو كان له حقيقة في الخارج، لم يكن كمالًا للنفس إلا معرفة خالقها ﷾ فهؤلاء الجهمية من أعظم المبتدعة بل جعلهم غير واحد
2 / 60