(فيه) وهذا مما يدل عليه القياس الذي يسمونه البرهان، فبرهانهم لا يدل على شيء معين بخصوصه، لا واجب الوجود ولا غيره، وإنما يدل على أمر كلي. والكلي لا يمنع تصوره من وقو الشركة فيه، وواجب الوجود يمنع العلم به من وقوع الشركة فيه. ومن لم يتصور ما تمتنع الشركة فيه؛ لم يكن قد رف الله، ومن لم يثبت للرب إلا معرفة الكليات، كما يزعمه ابن سينا وأمثاله، ولأن ذلك كمال للرب، فذلك يظنه كمالًا للنفس بطريق الأولى، سليمًا إذا قال: إن النفس لا تدرك إلا الكليات. وإنما يدرك الجزئيات البدن، فهذا في غاية الجهل وهذه الكليات التي لا تعرف الجزئيات الموجودة لا كمال فيها البتة والنفس إنما تحب معرفة الكليات، لتحيط بها بمعرفة الجزئيات، فإذا لم يحصل ذلك، لم تفرح النفس بذلك الوجه.
الرابع: أن يقال هب أن النفس تكمل بالكليات المجردة كما يزعمون، فما يذكرون في العلم الأعلى عندهم، الناظر في الوجود ولواحقه، ليس كذلك فإن تصور معنى الوجود فقط أمر ظاهر حتى يستغني عن الحد عندهم لظهوره فليس هو المطلوب. وإنما المطلوب أقسامه، ونفس أقسامه إلى واجب وممكن وجوهر وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث، هو أخص من مسمى الوجود. وليس في مجرد معرفة انقسام الأمر العام في الذهن إلى أقسام بدون معرفة الأقسام ما يقتضي علمًا كليًا عظيمًا عاليًا على تصور الوجود. فإذا عرفت الأقسام، فليس فيها ما هو علم بمعلوم لا يقبل التغيير والاستحالة، وليس معهم دليل أصلًا يدلهم على أن العالم لم يزل ولا يزال.
2 / 55