النفس العلم الصحيح والقضايا الصحيحة الصادقة والقياس المستقيم. فيكون في ذلك تصحيح الذهن والإدراك. وتعود النفس أنها تعلم الحق وتقوله، لتستعين بذلك على المعرفة التي هي فوق ذلك.
ولهذا يقال: إنه كان أوائل الفلاسفة، أول ما يعلمون أولادهم العلم الرياضي وكثير من شيوخهم في آخر أمره إنما يشتغل بذلك. لأنه لما نظر في طرقهم وطرق من عارضهم من أهل الكلام الباطل، ولم يجد في ذلك ما هو حق، أخذ يشغل نفسه بالعلم الرياضي، كما كان يتحرى مثل ذلك من هو من أئمة الفلاسفة كابن واصل وغيره. وكذلك كثير من متأخري أصحابنا يشتغلون وقت بطالتهم بحكم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة ونحو ذلك لأن فيه تفريحًا للنفس، وهو علم صحيح لا يدخل فيه غلط. وقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال إذا لهو تم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض. فإن حساب الفرائض علم معقول مبني على أصل مشروع، فتبقى فيه رياضة العقل وحفظ الشرع. لكن ليس هو علمًا يطلب لذاته، ولا تكمل به النفس.
وأولئك المشركون كانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل ويدعونها بأنواع الدعوات. كما هو معروف من أخبارهم وما صنف على طريقهم من الكتب الموضوعة في الشرك والسحر ودعوة الكواكب
2 / 53