بدون ذلك القياس البرهاني المنطقي. ولهذا لا تجد لهذا من سائر أصناف العقلاء غير هؤلاء، ولا ينظم دليله من المقدمتين كما ينظمه هؤلاء، بل يذكرون الدليل المستلزم للمدلول، ثم الدليل قد يكون مقدمة واحدة وقد يكون مقدمتين، وقد يكون ثلاث مقدمات بحسب حاجة الناظر المستدل، إذ حاجة الناس تختلف. وقد بسطنا ذلك في الكلام على المحصل وبينا تخطئة جمهور العقلاء لمن قال إنه لا بد في كل علم نظري من مقدمتين لا يستغنى عنهما، ولا يحتاج أكثر منهما. وهذا ينبغي أن يأخذ عن المواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الأنبياء، فإنه يظهر فيها فساد منطقهم، وأما إذا أخذ به في المواد المعلومة بنصوص الأنبياء فإنه يظهر الاحتياج إلى القضية الكلية، كما إذا أردنا تحريم النبيذ المتنازع فيه فقلنا النبيذ مسكر وكل مسكر حرام، أو قلنا هو خمر وكل خمر حرام، فقولنا النبيذ المسكر خمر يعلم بالنص، وهو قول النبي-ﷺ "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" يعلم بالنص والإجماع؛ وليس في ذلك نزاع وإنما النزاع في المقدمة الصغرى وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي- ﵌ أنه قال: إن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. وفي لفظ: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. وقد يظن بعض الناس أن النبي- ﵌ ذكر هذا على النظم المنطقي ليبين النتيجة بالمقدمتين؛ كما يفعله المنطقيون، وهذا جهل عظيم ممن يظنه فإنه- ﷺ أجل قدرًا من أن يستعمل مثل هذا الطريق في بيان العلم، بل من هو أضعف عقلًا وعلمًا من آحاد علماء أمته لا يرضى لنفسه أن يسلك طريقة هؤلاء المنطقيين، بل يعدونهم من الجهال الذين لا يحسنون (إلا) الصناعات كالحساب والطب ونحو ذلك.
2 / 36