ومادته بما ذكروه، مثال ذلك أنه إذا أريد إبطال قول من يثبت الأحوال ويقول (هي) لا موجودة ولا معدومة، ويقول: وهذا نقيضان وكل نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإن هذا جعل الواحد موجودًا معدومًا، ولا يمكن جعل الحال موجودة معدومة، كأن العلم بأن هذا المعنى لا يكون موجودًا معدومًا بدون هذه القضية الكلية، فلا يفتقر العلم بالنتيجة إلى البرهان. وكذلك إذا قيل: إن هذا ممكن وكل ممكن فلا بد له (من) مرجح لوجوده، على أصح القولين أو لأحد طرفيه على قول طائفة من الناس، أو قيل: هذا محدث وكل محدث، فلا بد له من محدث، فتلك القضية الكلية وهي قولنا: كل محدث لا بد له من محدث، وكل ممكن لا بد له من مرجح، يمكن العلم بأفرادها المطلوبة بالقياس البرهاني عندهم بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها، فيعلم أن هذا المحدث لا بد له من محدث وهذا الممكن لا بد له من مرجح، فإن شك عقله، وجوز أن يحدث هو بلا محدث أحدثه أو أن يكون وهو ممكن يقبل الوجود والعدم بدون مرجح يرجح وجوده، جوز ذلك في غيره من المحدثات والممكنات بطريق الأولى، وإن جزم بذلك في نفسه لم يحتج علمه بالنتيجة المعينة: وهو قولنا: وهذا محدث، فله محدث أو هذا ممكن، فله مرجح، إلى القياس البرهاني.
ومما يوضح هذا: أنك لا تجد أحدًا من بني آدم يريد أن يعلم مطلوبًا بالنظر ويستدل عليه بقياس برهاني يعلم صحته، إلا ويمكنه العلم به
2 / 35