تقدمات
1 - أسباب النقل وتطوره
2 - عناصر النقل
3 - النقل والتنظيم الاقتصادي
4 - النقل البحري
5 - المقومات الجغرافية للنقل على اليابس
6 - النقل على اليابس
7 - موجز عن النقل الجوي
ملحق مصور
تقدمات
Unknown page
1 - أسباب النقل وتطوره
2 - عناصر النقل
3 - النقل والتنظيم الاقتصادي
4 - النقل البحري
5 - المقومات الجغرافية للنقل على اليابس
6 - النقل على اليابس
7 - موجز عن النقل الجوي
ملحق مصور
جغرافية النقل
جغرافية النقل
Unknown page
تأليف
محمد رياض
تقدمات
أكد السير ويليام بتي
W. Petty
أنه اكتشف في عدم وجود الطرق والموانئ الجيدة السبب في الركود الاقتصادي في أيرلندا.
سير ويليام بتي (1623-1687) السياسي والاقتصادي البريطاني في كتابه المسمى التشريح السياسي: دراسة في الركود الاقتصادي في أيرلندا خلال القرن السابع عشر، نقلا عن:
Aimé-Vincent Perpillon “Human Geography” Longmans 1966 .
تمثل شبكة النقل في أي إقليم أو منطقة درجة التقدم البشري حتى فيما لو كانت الظروف الطبيعية غير مواتية؛ ولهذا يقال: إن شبكة النقل الأرضي تعكس بصدق مدى مدنية المجتمع والمرحلة التقنية التي بلغها.
Aimé-Vincent Perpillou “Human Geography” Longmans 1969 .
Unknown page
بدون وسائل المواصلات لتبادل الفائض الإنتاجي، لا يمكننا أن نتوقع من أشكال الاقتصاد سوى إنتاج الإعاشة المباشرة فقط.
J. E. Spencer & W. L. Thomas “Cultural Geography” Willey, New York 1969 .
الفصل الأول
أسباب النقل وتطوره
(1) مسببات النقل
لماذا يحتاج الإنسان إلى النقل؟ هذا السؤال العريض قد يحتاج إلى شرح يتسم ببعض الطول، وإن كانت الإجابة عنه في اختصار شديد هي أن الإنسان، وعالم الحيوان عامة، يتصف بصفة أساسية هي الحركة المستمرة؛ ليس فقط سعيا وراء الغذاء، بل لأن الحركة جزء أساسي من تكوينه البيولوجي أيضا؛ فالأطراف للحيوان والأرجل للإنسان أجزاء عضوية حية تتطلب الحركة آليا - وما دامت الحياة تسري في العروق والشرايين - إلا إذا أصيب الكائن الحي بمرض يقعده عن الحركة.
والحركة المستمرة عند الإنسان قد أصبحت لها دوافع اقتصادية جوهرية بحكم الرغبة في الحصول على الغذاء في كل مراحل البشرية الحضارية، ومع التقدم الحضاري لم تعد هناك دوافع اقتصادية مباشرة في تحركات كل فرد، وإن كانت هذه الدوافع الاقتصادية تهيمن على خلفية الحركة بحكم انتماء الفرد لمجموعة بشرية تتحرك من أجل أرض أحسن أو أوسع. وبعبارة أخرى: إن حركة القوات المتحاربة، رغم أنها قد لا تكون في حد ذاتها بدافع الحصول على مزيد من الغذاء للمحاربين، فإنها تخضع لخطة معينة في التوسع من أجل مزيد من المكاسب الاقتصادية لصالح القبيلة أو العشيرة أو الدولة.
وهناك أيضا حركة قد تبدو بعيدة تماما عن الحركة الاقتصادية، مثل التحرك نحو مكان له قدسية خاصة في صورة الحج، أو التحرك لمجرد الترويح والنزهة واستكشاف ما يجهله الفرد من أماكن جغرافية أو خلوية، ولكن هذه الحركة في مجموع نتائجها أصبحت تكون نشاطا اقتصاديا لعدد آخر من الناس يكونون دائما في نهاية مثل هذه الطرق؛ يستقبلون هؤلاء الزائرين ويقدمون لهم الخدمات اللازمة من مأوى ومأكل وملهى.
ومجرد الحركة في حد ذاتها - وعلى الأخص بعد تكاثف خطوطها في حضارة العصر الصناعي - قد أصبحت نشاطا اقتصاديا يشغل وقت المتخصصين في صناعة وسائط النقل المختلفة من البدائية إلى الحديثة.
وقصارى القول أن الحركة عند الإنسان - فردا أو جماعات، سلعا أو أخبارا - يسيطر عليها دافع اقتصادي أصيل، سواء عند الفرد أو الجماعة المتحركة، أو عند الجماعة المستقبلة لهذه الحركة، وبالرغم من هذا فإنه بالإمكان أن نفصل مسببات الحركة إلى أسباب منفصلة؛ لكي يمكن دراستها وتحديد نوع الحركة، مع الأخذ في الاعتبار بما سبق ذكره من ترابط هذه الأسباب المنفصلة ترابطا حيا داخل الإطار الاقتصادي.
Unknown page
وأسباب النقل متعددة على رأسها: (1) البحث عن الغذاء عند الجماعات البدائية تكنولوجيا. (2) التجارة الإقليمية والدولية. (3) أغراض سياسية وعسكرية. (4) أغراض ترفيهية ودينية ومعنوية. (5) الحركة اليومية من المدن الرئيسية وإليها. (1-1) البحث عن الغذاء عند الجماعات البدائية تكنولوجيا
سنتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع فيما بعد. ويمكننا أن نلخص ما سبق قوله في أن الجماعات البشرية القديمة السابقة على الزراعة والرعي، والجماعات البدائية المعاصرة في غابات أفريقيا وصحاريها الجنوبية، وفي أمازونيا وجنوب الأرجنتين وشيلي وتيرادلفويجو، والقبائل المنتشرة في داخلية النطاق الغابي الكثيف في الملايو وبورنيو والفلبين وغينيا الجديدة (إيريان وبابوا)، وغالبية سكان مجموعات الجزر الباسيفيكية. هذه الجماعات كلها تمارس الانتقال الدائم والموسمي من أجل الحصول على الغذاء، في دوائر محدودة المساحة، أو تنتقل في قواربها وراء الأسماك في مساحات محدودة أيضا من مياه الباسيفيك. أما حركة رعاة الإبل والبقر في السفانا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وصحاري منغوليا وسنكيانج، بالإضافة إلى رعاة الرنة في سيبيريا، والإسكيمو، صيادي الحيوانات البحرية في شمال أمريكا الشمالية؛ فحركتهم موسمية واسعة نسبيا، ومنتظمة سنويا.
ويشتمل انتقال هذه الجماعات غالبا على: «أ» في حالة السكن المستقر في أماكن الوفرة النسبية كالواحات أو النطاق الاستوائي أو نطاق السفانا أو جزر الباسيفيك، يقوم الشبان بالتنقل إلى معسكرات موسم المطر أو الصيد الوفير، بينما تظل معظم الجماعة في أماكن سكنها الدائم. «ب» في حالة البداوة الكاملة كما هو الحال عند أقزام وسط أفريقيا وبشمن كلهاري في أفريقيا الجنوبية، وإسكيمو الشمال الأمريكي، ولاب شمال اسكندنافيا وجماعات رعي الرنة السيبيرية، تنتقل الجماعة بكاملها، كبار السن وصغارهم، من مكان إلى آخر وراء الصيد أو إلى مناطق معينة تحددها إيكولوجية حيوان الصيد أو حيوان الرعي في العالم القطبي.
ويختلف الانتقال عند كل من الفئتين؛ فإن البداوة الكاملة تستدعي نقل كل ما تملكه الجماعة في ترحالها الموسمي، أو ترحالها الدائم بحثا عن الطعام عند جامعي الغذاء، بينما يقتصر التنقل في الحالة الأولى على معسكر الشباب فقط. ويترتب على اختلاف المستوى الحضاري عامة اختلاف في حجم المنقولات؛ فهي شديدة البساطة عند الجماعيين، بينما تتعدد المنقولات عند الرعاة أو الزراع البدائيين لتشمل المسكن ومستلزمات الحضارة الأعلى من أوعية متعددة الأغراض، إلى الطعام المحفوظ، إلى الملابس والأسلحة وأدوات الإنتاج المختلفة. وفي حالة الزراع البدائيين لا ينقل المسكن المبني عادة من الأخشاب، بل يترك ويبنى غيره في المكان الجديد.
وبناء على ذلك، فإن النقل عند الجماعيين لا يستلزم وسيلة نقل خاصة سوى النقل بواسطة الأفراد، وربما كان ذلك سببا من أسباب قلة منقولاتهم. ويشترك الزراع البدائيون مع الجماعيين في قلة منقولاتهم. أما الرعاة فإنهم يستخدمون حيوان الرعي في النقل، إما للحمل وإما للجر أو لكليهما معا.
وبرغم بساطة النقل عند الجماعات البدائية تكنولوجيا فقد كانت له آثار بعيدة بالنسبة لتعمير العالم؛ فإن الحركة المستمرة وراء الغذاء، سواء كانت للجماعيين أو الرعاة أو الزراع البدائيين، قد أدت طوال تاريخ الإنسانية إلى هجرات الشعوب الواسعة من أماكن محدودة على سطح الأرض، ليملئوا سطح القارات جميعا بحثا عن الغذاء. وهذه الهجرات قد تمت ببطء شديد. ولا شك أنها حدثت نتيجة تزايد العدد السكاني فوق موارد الإقليم الغذائية. وقد حدثت هذه الهجرات إما في صورة سلمية بسيطة وإما نتيجة الطرد بالقوة بواسطة جماعة وافدة غازية. ولكن هجرات الرعاة كانت دائما سريعة نسبيا نظرا لاستخدام وسائل النقل الحيوانية بالإضافة إلى التنظيم العسكري الذي يكون أساس حياة البداوة. (1-2) التجارة الإقليمية والدولية
ظهرت التجارة مع تقدم المستوى الحضاري والاقتصادي واستقرار الناس فيما بعد الثورة الإنتاجية الأولى - الزراعة واستئناس الحيوان - ونمو التخصص الإقليمي والاجتماعي في أشكال الإنتاج، ونوع الحرفة. وهذا التخصص في حد ذاته قد سبب نشوء التبادل التجاري، وما زال كذلك حتى الآن. وقد ارتبط حجم التبادل التجاري أولا بالاحتياجات المرغوبة، وثانيا بسعة وسائل النقل.
وفيما يختص بمدى تنوع الاحتياجات، فإن ذلك كان محدودا للغاية خلال معظم تاريخ الإنسان منذ اكتشاف الزراعة؛ ذلك أن الاكتفاء الذاتي كان هو النمط السائد في معظم مناطق الزراعة والرعي؛ فقد تأقلم الناس على أنواع الغذاء الذي يصنعه محصولهم الأساسي، وعلى أشكال الملبس الذي تمدهم به ظروفهم الإنتاجية والبيئية، وعلى أشكال الملبس الذي يرتبط بإيكولوجية المكان، وعلى أنواع الأدوات والأسلحة المرتبطة بتكنولوجية الإنتاج. وفيما عدا هذا كان احتياج المترفين إلى بعض المعادن والأحجار النادرة، وبعض منتجات من الأواني والمنسوجات الفاخرة المنتجة في أقاليم أخرى هو جل مكونات التبادل التجاري القديم. وفضلا عن ذلك ظهرت الحاجة إلى بعض المنتجات الضرورية من خامات مناطق بعيدة؛ كالحديد والنحاس والأخشاب الجيدة وخامات العطور والبخور وغير ذلك.
ولما كانت وسائل النقل محدودة السعة برغم تعدد أشكالها من قوافل الحمير أو البغال أو الخيول أو الإبل أو الإنسان، إلى عربات الجر والزحافات، إلى السفن النهرية والسفن البحرية، فإن التبادل التجاري في معظم فترات التاريخ المكتوب للبشرية، كان محدود الحجم ينطبق عليه خير انطباق المثل الشائع : «ما خف حمله وغلا ثمنه.»
أما التجارة فيما بعد العصر الصناعي فقد تغيرت صورتها تغيرا جذريا عما كانت عليه من قبل؛ فإن الاحتياجات البشرية من أجل الصناعة والاستهلاك قد توسعت بصورة مذهلة، بحيث شملت كل أشكال الإنتاج من الغذاء إلى الكماليات بين ساكني المدن، بينما تتحدد السلع المعروضة في الأسواق الريفية إلى أنواع قليلة من السلع الغذائية مقابل كثير من السلع المصنعة. وكذلك أدى انقسام العالم إلى متقدم صناعي ومتخلف أو نام ينتج الخامات بصفة أساسية، إلى نمط عالمي محدد في التجارة؛ فالسفن المتجهة إلى دول الشمال الصناعية تحمل خامات زراعية ومعدنية، والسفن المتجهة إلى الدول المدارية والجنوبية تحمل سلعا مصنعة، بالإضافة إلى بعض الأغذية الأساسية كطحين القمح أو الذرة، ومنتجات الوقود والطاقة المكررة.
Unknown page
وقد تبع ذلك أن التجارة الدولية في عصرنا الراهن تحتكر القدر الأعظم من حركة النقل العالمية، وبناء على هذا زادت حمولة وسائل النقل زيادة هائلة، سواء كان ذلك في القطارات أو الشاحنات أو السفن أو الطائرات، وما زالت سعة وسائل النقل في زيادة إلى مدى لا نستطيع التنبؤ به.
وخلاصة القول أن التجارة والنقل هما في كل الأوقات عبارة عن وحدة وظيفية واحدة ذات شقين.
ويمكننا أن نشير في هذا المجال أيضا إلى أن التوسع التجاري العالمي كان واحدا من أهم الأسباب في الكشوف الجغرافية الكبرى، وفي بناء الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى، وفي الاستيطان الحديث لقارات العالم الجديد. وبهذا يشترك البحث عن الغذاء واتساع النشاط التجاري معا في تعمير العالم بواسطة الهجرات الاستيطانية القديمة والحديثة. (1-3) الأغراض السياسية والعسكرية
بالرغم من أن الأسس الجوهرية في النقل ووسائله وطرقه تقاس على المعيار الاقتصادي ومدى عائد هذه الطرق ووسائل النقل، إلا أننا نلاحظ أن بعض أشكال النقل تبدو غير اقتصادية بالمعنى المفهوم؛ فهناك طرق تمد إلى أقاليم هامشية داخل الدولة الواحدة، والسبب راجع إلى خطة سياسية أو استراتيجية؛ فمثل هذا الطريق يقام إما من أجل تشديد قبضة الدولة على الإقليم النائي وتثبيت سلطانها فيه، وإما أن يقام من أجل سرعة الوصول إلى مناطق ذات منعة استراتيجية لحماية الدولة.
والأمثلة على ذلك كثيرة، على رأسها الخطوط الحديدية الأمريكية إلى داخل «الغرب البري أو الوحشي»، وطريق حديد سيبيريا والتركستان، وطريق حديد بشاور (الذي أقيم في الهند خلال الحكم الإنجليزي لتأمين الحدود الشمالية الغربية وإخضاع قبائل الباتان والسيطرة على ممر خيبر الاستراتيجي)، ومشروع فرنسا من أجل بناء خط حديدي من السنغال إلى النيجر، ومشروعها الذي لم يتحقق من أجل بناء خط حديدي من الجزائر إلى النيجر، والخط الحديدي السوداني الذي امتد إلى جنوب السودان مؤخرا.
ومثل هذه الطرق برغم نشأتها العسكرية غير الاقتصادية سرعان ما تصبح محورا لنشاط اقتصادي حديث يؤدي إلى تغير في شكل الإنتاج في الإقليم الذي يمر به. وخير دليل على ذلك أن خط حديد سيبيريا قد أصبح الآن - وبعد مرور حوالي 70 سنة على إنشائه - يجري داخل أكبر منطقة اقتصادية في العمق الأرضي السوفييتي.
وبالمثل فإن الأغراض العسكرية قد ساعدت دائما على نمو أشكال جديدة في وسائل النقل في حجمها أو كفاءتها أو سرعتها، فإن مبدأ استخدام العجلة (الدولاب) كوسيلة لتسهيل جر العربات بواسطة الحيوان، قد قفز سريعا حينما استخدمت العجلة في مركبات القتال الحيثية والفرعونية والآشورية، وفي حضارات الشرق الأوسط القديم عامة. وكذلك حظيت السفن والطائرات بدفعة تطور قوية خلال سباق التسلح قبل وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وبصورة أكبر في فترة سباق التسلح التي يعيشها عالمنا المعاصر. وبرغم ما تؤدي إليه هذه المستحدثات من أضرار بالغة في الحروب، إلا أن الاستخدام السلمي لمنجزاتها يصبح فيما بعد نعمة كبرى على تقدم وسائل النقل. (1-4) الأغراض الترفيهية والدينية وغيرهما
باشتداد كثافة السكن والنشاط الاقتصادي الحديث في المدن تنشأ الحاجة الملحة إلى الترفيه في صور عدة؛ منها الاصطياف ورحلات عطلة نهاية الأسبوع والأعياد. وقد أدى هذا إلى امتداد طرق المواصلات إلى مناطق نائية في الجبال أو على سواحل البحار والبحيرات لم تكن تمتد إليها دون نشأة هذه المناطق الترويحية.
وباقتراب العالم من بعضه بواسطة التشابك الحضاري العالمي الراهن نشأت السياحة الدولية كوسيلة عملية لزيادة خبرة الأفراد بأجزاء العالم المختلفة. وقد أدت السياحة الدولية الراهنة إلى نمو سريع في وسائل نقل الركاب بحرا وجوا وبرا، وساعدت على إنشاء شبكة عظيمة من الطرق السريعة في كثير من الدول لجذب السياح إلى داخلية البلاد، وإلى إبراز معالم الزيارة في الأماكن الأثرية ومناطق اللهو والترويح.
وخلاصة القول أن السياحة الدولية قد أصبحت جزءا من نمط حياة الأفراد في كثير من الدول المتقدمة.
Unknown page
وأخيرا فإن الإنسان منذ القدم - بارتباطه الغيبي بقداسة وبركة أماكن معينة، وارتباطه الديني بتعاليم تحث على الحج إلى أماكن محددة - قد ساعد على نشأة طرق معروفة تتجه إلى تلك الأماكن. وأشهر أماكن الحج والمزارات مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس، وبنارس، ولورد، وروما. وتنمو العناية بهذه الطرق وتتزايد بصفة مستمرة لتخدم المزيد من الحجيج. (1-5) الحركة اليومية إلى المدن الرئيسية
نظرا لوظيفة المدن كمراكز خدمة رئيسية داخل أقاليمها، وكمناطق الصناعة الرئيسية، وكمراكز لنشاطات تجارية ومالية وثقافية وترفيهية وعلاجية، فإن هناك حركة دائمة يومية من إقليم المدينة إلى المدينة للاستفادة بهذه الخدمات. وهناك أيضا حركة دائمة تجلب خامات الصناعة إلى المدن أو تنقل المنتجات المصنعة إلى الأسواق خارج المدن. ونظرا لازدحام المدن عامة، فإن عددا لا بأس به من سكان المدن يسكن الضواحي لأسباب كثيرة من أهمها رخص الأراضي والإيجارات. ويؤدي هذا إلى حركة انتقال كثيفة من مجال المدينة الخارجي إلى داخلها تسمى حركة العمل اليومي، وهي حركة تؤدي إلى ضغط شديد على طرق المدينة.
جدول 1-1: المتوسط اليومي لعدد الركاب القادمين والمغادرين لمحطات السكك الحديدية الباريسية.
المجموع
759 ألف راكب (1) محطة سان لازار
300 ألف راكب (2) محطة الشمال
135 ألف راكب (3) محطة الشرق
85 ألف راكب (4) محطة أوسترليتز
82 ألف راكب (5) محطة ليون
72 ألف راكب (6) محطة مونبارناس
Unknown page
40 ألف راكب (7) محطة الأنفاليد
30 ألف راكب (8) محطة الباستيل
15 ألف راكب
خريطة 1-1: نموذج لحركة العمل اليومية في باريس (الحركة اليومية بواسطة السكة الحديدية فقط).
وحركة الانتقال في المدن ومحيطها تمثل في الواقع أكثف حركة انتقال بالمقارنة بأي من مجالات النقل الأخرى، وإن كانت هذه الحركة محدودة المسافات بطبيعة تمركزها حول المدينة الواحدة. وقد أدى هذا إلى نشأة كل أشكال المواصلات الكثيفة (طرق برية سريعة، طرق حديدية، موانئ جوية) حول المدن وفي داخلها (أوتوسترادات وجسور وأنفاق وخطوط حديدية معلقة ... إلخ). وتتضح هذه الصورة بكامل مشكلاتها في المدن الأمريكية الرئيسية، وفي المدن الأوروبية بصورة أقل حدة (انظر خريطة رقم 1-1). (2) التأثير المتبادل بين النقل والتجارة والتكتلات السياسية
إذا استثنينا وسائل النقل الجوي الحالية، فإننا نجد أن تكنيكية النقل عامة تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما وسائل النقل البري ووسائل النقل المائي. وإذا أردنا أن ندرس كلا من هذين القسمين على ضوء القوة المحركة وشكل وسيلة النقل وبنائها ووظيفتها، فإننا نجد تقسيمات كثيرة لأساليب النقل العالمية.
وفي خلال تاريخ الإنسان على ظهر الأرض الذي يمتد إلى عشرات الآلاف من السنين نجد أن هناك تقسيما يؤدي بنا إلى التعرف على مرحلتين تاريخيتين في وسائل النقل؛ المرحلة الأولى طويلة جدا، وتبدأ من بداية التاريخ الإنساني إلى حوالي قرن مضى. أما المرحلة الثانية فهي شديدة القصر لا تتجاوز القرن، ومع ذلك فإنه قد ابتكر فيها تنوع هائل، في شكل وسائل النقل ومبدأ الطاقة المستخدمة لتحريك مركبات النقل المختلفة البرية والمائية على السواء، من البخار إلى آلة الاحتراق الداخلي إلى القوى الكهربائية، وأخيرا بدايات استخدام الطاقة النووية. أما المرحلة الأولى الطويلة فقد تميزت بسيادة مبدأ موحد؛ هو استخدام الطاقات الطبيعية في تحريك المركبات البرية والمائية على السواء، فاشتملت على استخدام طاقة الانحدار الأرضي «الجاذبية الأرضية» وطاقة الانحدار المائي «قوى تيارات الماء النهرية والمحيطية والمد والجزر» وطاقة الرياح، والطاقات العضوية المتمثلة في الإنسان والحيوان.
وقد ترتب على اختلاف شكل الطاقة المستخدمة بين المرحلتين التاريخيتين في النقل، وفي داخل كل مرحلة، اختلافات هائلة في شكل وبناء مركبة النقل ووظيفتها. وأكبر الاختلافات تنحصر في حجم المركبة وسرعتها. وبما أن الطاقات المحركة الحديثة طاقات ميكانيكية غير عضوية ذات قوى غير محدودة بالقياس إلى الطاقات الطبيعية والعضوية التي كان يمكن استخدامها قديما، فإن المركبات صارت أكبر حجما وأكثر سرعة بدرجات غير متناسبة تماما مع حجم وسرعة المركبات في المرحلة التاريخية الأولى.
وصحيح أن للرياح طاقة تحريك عظيمة لا مثيل لها في قائمة المبتكرات الإنسانية، إلا أن استخدامها كان محدودا جدا خوفا من طاقتها المدمرة التي تظهر متكررة في صورة الأعاصير الجامحة. وحين تهب مثل هذه الأعاصير تبتعد المراكب الشراعية وغير الشراعية فورا عن المنطقة؛ وبالتالي فإن استخدام وسائل النقل المعتمدة على الرياح كانت دائما تحت رحمة طاقة غير مستأنسة.
وكذلك ترتب أيضا على سرعة المركبة في المرحلة التاريخية الثانية تغير هائل في وظيفة النقل؛ فلم يعد الانتقال مشقة بالنسبة للأفراد، ولم يعد مغامرة بالنسبة للتجارة، ولم يعد النقل مضيعة للوقت في حالتي الأفراد والبضائع. وبناء على هذا كله حدث تغير كمي وكيفي في وظيفة النقل الحديث، كان من آثاره ازدياد حجم التبادل التجاري العالمي بدرجة ساعدت بشدة على التخصص الوظيفي في النشاطات الاقتصادية في دول العالم وقاراته.
Unknown page
وكان من جراء هذا أن نشأ اليوم شعار يتردد على الألسنة في كل يوم وكل مكان: «لقد انكمش العالم.» أو «نحن نعيش في عالم منكمش المسافات والمساحات.» أو «إنه لعالم صغير ذلك الذي نعيش فيه اليوم.»
Shrinking, small World ؛ فالمسافات قد قصرت وتيسر الانتقال بسرعة غير معهودة، وبنيت وسائل لنقل كل أشكال البضائع والسلع من الخامات ذات الأحجام الكبيرة (الناقلات البرية والمائية لخام الحديد أو النحاس أو غيرهما من المعادن، جرارات الأخشاب العملاقة التي تعمل في مناطق الثروة الغابية، ناقلات البترول الخام والمكرر، أنابيب البترول والغاز، أسلاك التحميل العالية لنقل الطاقة الكهربائية، إلى جانب السفن والطائرات والقطارات العادية التي تنقل أشكالا لا حصر لها من السلع والبضائع). ولم يعد غريبا أن يعرف الإنسان في أي مكان أن هناك تخصصا إقليميا في السلع المعروضة في الأسواق؛ كروم وموالح وطماطم البحر المتوسط، لحوم وأجبان المراعي العلمية في الدانمرك وهولندا والأرجنتين، أخشاب النطاق المخروطي في كندا واسكندنافيا والاتحاد السوفييتي، المكيفات المنتجة في العالم الاستوائي؛ بن البرازيل وكاكاو أفريقيا وشاي آسيا، وغير ذلك كثير من التخصص الإقليمي في عالم الصناعة .
وخلاصة القول أن تطور وسائل النقل وتخصصها قد أدى إلى ربط العالم كله بشبكة كثيفة الخيوط من العلاقات التجارية، وساعد بصورة أو أخرى على إعادة توزيع أشكال النشاط الاقتصادي في أقاليم جغرافية متمايزة ومتخصصة.
ولئن كان تطور وسائل النقل يعد عاملا مساعدا على نمو الإمبراطوريات الاستعمارية خلال القرنين الماضيين، فإن هذه الإمبراطوريات بدورها قد ساعدت على نشأة الأنماط الاقتصادية المتخصصة عن سياسة عامدة. لكن وسائل النقل قد أدت خلال هذا القرن إلى سرعة انتقال الأفكار السياسية المختلفة؛ مما أدى بدوره إلى نشأة الحركات القومية في المستعمرات، وأفضى في النهاية إلى استقلال معظم هذه المستعمرات. وتحاول هذه الدول المستقلة - عن طريق سرعة الاتصال أيضا، ماديا وفكريا - أن تستفيد قدر الإمكان من تخصصها النمطي في إنتاج محصول أو خامة معينة، بزيادة وتحسين الإنتاج، وأن تتغلب في الوقت نفسه على مساوئ التخصص النمطي بإضافة عناصر إنتاجية جديدة؛ محاصيل أو معادن أو طاقة محركة، بالإضافة إلى الصناعة ولو على مقياس صغير.
وسوف يترتب على قرن المواصلات الحديثة والاستقلال والروح القومية والنزعة الإقليمية (فوق القومية المحدودة بحدود الدولة السياسية الحالية) تأثيرات مباشرة على التخصص الإقليمي العالمي الراهن في الإنتاج وأشكال استغلال الأرض في صورة تجميعات اقتصادية واسعة المساحة ومتعددة الإنتاج. وأكثر المؤشرات وضوحا وأقربها إلى التحقيق ما زالت تقع ضمن مجموعة الدول المتقدمة، وأغلبها كان صاحب مستعمرات سابقة. وقد كان هذا نتيجة طبيعية لظروف هذه الدول التي تتمتع بتنظيمات اقتصادية متعادلة ذات جذور تاريخية عميقة نسبيا، ولعل مجموعة السوق الأوروبية المشتركة، ومجموعة السوق المشتركة للدول الاشتراكية، سوف تصبح النمط السلفي الذي سوف تسعى إليه كتل العالم الأخرى كالكتلة الأفريقية والكتلة العربية والكتلة اللاتينية.
والذي يهمنا في هذا المجال أن نمو هذه التكتلات بما فيها من محاولات التعادل الإنتاجي بدلا من التخصص الإنتاجي البحت، سوف يؤدي إلى تغيرات عميقة في شبكة الاتصال العالمي الراهنة.
ويمكننا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث في عالم المواصلات على ضوء ما حدث تاريخيا في الماضي حينما كان التخصص الإنتاجي البحت هو الشكل الأساسي للتجارة، مثلا في عهد الإمبراطورية البريطانية والكمنولث البريطاني كان هناك تخصص مواصلات بمقتضاه كانت ليفربول ميناء القطن الأول، وموانئ جنوب بريطانيا بما فيها لندن نهاية للسلع الاستوائية والمدارية مثل الكاكاو والشاي. وفي عهد الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية كانت مرسيليا هي الميناء الفرنسي الأول الذي يتعامل في المنتجات المدارية القادمة من المستعمرات الفرنسية في آسيا وأفريقيا.
وحينما تندمج عدة دول في تكتل اقتصادي، كالبنلوكس أو السوق الأوروبية المشتركة، فإن تغيرا تدريجيا يطرأ على تخصص الموانئ ووظائفها الإقليمية، لكن هذا التخصص في حد ذاته قد يكون داعيا إلى استمرار جذب خطوط الحركة والمواصلات إليه، إذا كان الموقع مركزيا والخلفية مناسبة للتغير الناتج عن التكتل الاقتصادي الجديد. وقد كان هذا حال ميناء روتردام الهولندي بالنسبة لكتلة السوق الأوروبية، ومثله في ذلك ميناء مرسيليا الفرنسي.
وفي وسعنا أن نتصور انخفاضا كبيرا في المنافسة بين الموانئ المتشابهة التوجيه في حالة استمرار الاندماج الاقتصادي وتدعيمه في أي منطقة يحدث فيها ذلك. والسبب الرئيسي وراء ذلك يرجع إلى أن مثل هذه الموانئ المتشابهة التوجيه - كهامبورج وروتردام والهافر ولندن - سوف تتغير وظائفها من موانئ قومية إلى موانئ إقليمية كل منها يخدم النشاط الاقتصادي في حدود خلفيته الطبيعية والبشرية، وفي مثل هذه الحالة تميل الحركة البرية إلى الانخفاض أو الزيادة تبعا لحجم الخلفية الاقتصادية التي يخدمها كل ميناء على حدة. وفي هذا المجال أيضا نلاحظ تناقصا في الأهمية النسبية للموانئ المتطرفة مكانيا بالنسبة لحدود التكتل الاقتصادي كما حدث في هامبورج، برغم أنها كانت الميناء الألماني القومي الأول. وفي المقابل ترتفع الأهمية النسبية للموانئ المتمتعة بظهير بشري وإنتاجي كبير. (2-1) السوق الأوروبية كنموذج لتغيرات النقل
يعطينا ما حدث في أوروبا الغربية نموذجا معاصرا لما يحدث من تأثيرات التوجيه الاقتصادي على نمط النقل، ويلخص لنا ما سبق أن ذكرناه نظريا عن احتمالات التغير المرتبطة بإعادة توجيه الاقتصاد الأوروبي في صورة تسعى للتكامل. وفيما يلي دراسة مقتضبة عن الموانئ الرئيسية لدول السوق الأوروبية، كأحد مظاهر التغير في نمط النقل، علما بأن تغيرات مماثلة قد طرأت على توجيه خطوط النقل البرية والجوية لتخدم المناطق الكثيفة الإنتاج داخل كل دولة على حدة، وداخل التكتل الأوروبي بصفة عامة.
Unknown page
جدول 1-2: تطور الحمولة المشحونة والمنزلة في الموانئ الرئيسية لدول السوق الأوروبية. *
الميناء
1938
1965
حمولة 1965
مجموعة الحمولة مليون طن ٪ من الموانئ الاثني عشر
مجموع الحمولة مليون طن ٪ من الموانئ الاثني عشر
بالنسبة إلى حمولة 1938 (٪)
المجموع
153,3
Unknown page
100
434,6
100
283,5 +
روتردام «ه»
46,4
30,2
122,7
28,5−
264,6−
Unknown page
أنتفيرب «ب»
23,6
15,3
59,4
14−
252,1−
مرسيليا «ف»
10
6,5
56,8
Unknown page
13,4+
570,8+ +
هامبورج «أ»
25,8
16,7
35,3
8,3−
136,7− −
جنوا «ط»
7,3
Unknown page
4,7
34
8+
467,9+ +
الهافر «ف»
6,7
4,4
38
6,6+
570,5+ +
Unknown page
بريمن «أ»
9
5,9
17,5
4,1−
194,5− −
دنكرك «ف»
4,2
2,8
16,3
Unknown page
3,8+
383,4+
نابولي «ط»
2,9
1,9
15,5
3,7+
538,6+ +
فينسيا «ط»
4,2
Unknown page
2,7
14,6
3,4+
350,2+
أمستردام «ه»
5,7
3,7
13,9
3,3−
245,9−
Unknown page
روان «ف»
7,7
5
10,6
2,5−
137,3− − *
ملاحظات: «ه» = هولندا. «ب» = بلجيكا. «ف» = فرنسا. «أ» = ألمانيا. «ط» = إيطاليا.
تفسير العلامات في عمود 1965: − = نقص في نسبة الحمولة من المجموع الكلي للموانئ الاثني عشر الواردة بالنسبة لنصيبها عام 1938. + تساوي زيادة في نسبة الحمولة من المجموع الكلي للموانئ الاثني عشر الواردة.
تفسير العلامات في العمود الأخير: (−) أو (+) مقاسه إلى نسبة الزيادة الكلية لحمولة الموانئ الاثني عشر في 1965 عن 1938. (− −) تساوي نسبة نمو ما بين 100 بالمائة و200 بالمائة فقط في الفترة المذكورة. (−) تساوي نسبة نمو بين 200 بالمائة و300 بالمائة. (+) تساوي نسبة نمو بين 300 بالمائة و400 بالمائة. (+ +) تساوي نسبة نمو أعلى من 400 بالمائة في حمولة 1965 بالنسبة لحمولة 1938.
يلاحظ أن المقصود بالخطوط الرئيسية هي تلك التي يسير فيها خطان من خطوط المواصلات أو أكثر في اتجاه المحور نفسه، الخريطة نقلت (مع بعض التعديل) عن:
Unknown page
G. Parker, “The Logic oF Unity”, Longman, London 1968 .
يوضح هذا الجدول (
1-2 ) دلالات كثيرة ليست في حاجة إلى تعليق، والمهم بالنسبة لموضوعنا أن نلاحظ: (1)
هبوط كبير في ترتيب الموانئ الألمانية، وهي في الحقيقة أقل الموانئ الأوروبية نموا نتيجة تقسيم ألمانيا (= تأثير على نشاط هامبورج) وتطرف الساحل الألماني بالنسبة للقلب الألماني الصناعي مقارنا بقربه ويسر اتصاله بالبحر عن طريق الموانئ الهولندية والبلجيكية. (2)
ارتفاع حاد في مجموعة الموانئ الفرنسية والإيطالية التي يبدو أنها كانت أكبر مستفيد من نشأة السوق المشتركة بحكم علاقات المكان لكل من الدولتين، ولوجود قلوب صناعية قومية مجاورة للموانئ القومية؛ منطقة باريس الصناعية يخدمها ميناء الهافر، ومنطقة تورينو-ميلانو الصناعية تخدمها جنوا. (3)
بالرغم من النمو الهائل في حمولة ميناءي روتردام وأنتفيرب إلا أن هذا النمو كان أقل قليلا من درجة النمو العامة للموانئ الاثني عشر. ويجب ألا ننسى أن الميناءين كانا من قبل موانئ رئيسية في أوروبا الغربية، حمولة التعامل فيهما كبيرة كميناءي ترانزيت لألمانيا والقلب الصناعي البلجيكي والفرنسي الشمالي؛ ومن ثم فإن هناك حدودا لنسبة النمو لا تستطيع الموانئ تجاوزها إلا بمزيد من الاستثمارات الضخمة وبقصد أن تصبح موانئ شديدة الاحتكار. وهذا الأمر لا يتفق والخطوط العامة للسياسات القومية داخل وحدة السوق المشتركة. (4)
هامبورج ومرسيليا طرفا النقيض في درجة النمو خلال الفترة المذكورة. وقد سبق أن شرحنا خلفية هامبورج المتدهورة والمتناقصة. أما مرسيليا فإنها وجدت نفسها في موقع ممتاز على البحر المتوسط كنهاية جيدة لخطوط الحركة الحديدية والبرية والأنبوبية التي تعبر دول السوق من الشمال إلى الجنوب (فرنسا، ألمانيا، هولندا). ويوضح الخريطتان 1-2 و1-3 وتكاثف خطوط الحركة المتجهة إلى مرسيليا والصورة الاحتكارية لهذا الميناء بالنسبة لجنوب السوق المشتركة دون أن ينازعها منازع. وبالرغم من نمو هائل لحركة ميناء جنوا المشابه لمرسيليا، إلا أنه يخدم جيبا إيطاليا (منطقة الصناعة في غرب لمبارديا) مسدودا بواسطة جبال الألب من الشمال والغرب، بينما وراء مرسيليا طريق طبيعي مفتوح بامتداد الرون ورافده الساؤن في اتجاه طريق طبيعي آخر هو وادي الراين المؤدي إلى منطقة قلب الصناعة الألمانية في الراين الأوسط (شتوتجارت-مانهايم-فرانكفورت) وفي الراين الأدنى (الرور)، ومن ثم إلى المنطقة الصناعية الهولندية والبلجيكية، وبرغم التحسينات التكنولوجية التي تطرأ باستمرار على الطرق من جنوا إلى جنوب ألمانيا عبر جبال الألب في سويسرا والنمسا، إلا أن المتوقع أن تصبح مرسيليا روتردام أخرى لدول السوق الأوروبية، مطلة على البحر المتوسط.
خريطة 1-2: المحاور الأساسية للمواصلات في دول السوق المشتركة.
خريطة 1-3: صناعة تكرير البترول في أوروبا الغربية وخطوط الأنابيب الرئيسية. (1) خطوط ناقلات البترول الخام من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. (2)
الأنابيب الرئيسية في أوروبا الغربية: لاحظ المحور الأساسي لخط الأنابيب العابر لدول السوق من روتردام إلى مرسيليا عبر ألمانيا الغربية. (4) الحدود السياسية. (5) معامل تكرير ذات طاقة سنوية أكثر من 30 مليون طن. (6) معامل تكرير طاقتها بين 20 و30 مليون طن. (7) معامل تكرير طاقتها بين 15 و20 مليون طن. (8) معامل تكرير طاقتها بين 10 و15 مليون طن. (9) معامل تكرير طاقتها أدنى من خمسة ملايين من الأطنان. (10) مجموع طاقة التكرير في كل دولة. الخريطة منقولة بإضافات عن:
Unknown page
.
وعلى وجه العموم، فإن لدول السوق على القارة الأوروبية واجهتين بحريتين رئيسيتين ترتبطان بالمواقع الرئيسية للصناعة الأوروبية؛ الواجهة الأولى: هي تلك الممتدة من هامبورج إلى الهافر وتخدم مركز الثقل المتجمع في أوروبا الغربية، والواجهة الثانية: هي تلك الممتدة من مرسيليا إلى جنوا. وفيما عدا ذلك فإن الموانئ الأوروبية تخدم مناطق محلية مثل تريستا وفينسيا ونابولي في الجنوب، وشربورج ونانت في الغرب.
وقد سبق أن أوضحنا العلاقة بين مرسيليا وجنوا وبينا تفوق خلفية مرسيليا بالقياس إلى جنوا، برغم وجود المنطقة الصناعية الإيطالية في خلفية جنوا. أما في الواجهة البحرية الشمالية بين هامبورج والهافر، فإننا نتبين بصورة لا تدعو لمزيد من الشرح، المكان المركزي لروتردام وأنتفيرت بالمقارنة بهامبورج والهافر؛ فالميناءان الأخيران يقعان في أماكن متطرفة بالنسبة لقلب الصناعة الأوروبية، ويخدمان التجمع الصناعي في شمال ألمانيا ومنطقة باريس على التوالي. أما روتردام وأنتفيرب فإنهما تقعان على البوابة المباشرة لحوض الراين والرور ومنطقة الصناعة البلجيكية الفرنسية.
وقد كانت روتردام - من قبل تكوين السوق الأوروبية - تحتل هذا المركز المتوسط، وكان حجم التعامل التجاري فيها أكبر من أي ميناء أوروبي آخر، وذلك برغم السياسات القومية في ألمانيا وفرنسا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. وجاء تكوين السوق الأوروبية ليؤكد مرة أخرى أهمية المكان المركزي لروتردام ويجعلها في عام 1965 أكبر ميناء في العالم من حيث حجم التجارة التي يتعامل فيها، ويعطيها نموا زاد عن مرتين ونصف ما كان عليه حجم التعامل في عام 1938. وقد أمكن لروتردام أن تتعامل بكفاءة مع الحجم التجاري المتضاعف نتيجة الاستثمارات الضخمة من أجل التحسينات الشاملة الشاسعة في سعة الميناء والمخازن، والاستحداثات المستمرة في آلية الرفع والشحن والنقل.
ومن بين مؤشرات هذا الاستحداث إنشاء ميناء جديد كل الجدة على بعد قليل من الميناء الأصلي في اتجاه مصب النهر أطلق عليه اسم ميناء أوروبا
Europoort . وبطبيعة الحال فإن المركز المتوسط لروتردام على الجبهة البحرية الشمالية لدول السوق الأوروبية ما كانت تصبح له هذه الأهمية المعاد تأكيدها بصفة مستمرة بدون الخلفية الواسعة للميناء؛ فروتردام هي - من الناحية الطبيعية والاقتصادية - ميناء الراين الأول بدون منازع، وترتبط بالراين (بما في ذلك الرور) بكافة خطوط الحركة من القديم إلى الحديث والمتناهي الحداثة. وأقدم وسائل الاتصال هو الراين وشبكته المائية الضخمة، وأحدث وسائل الاتصال هي خطوط أنابيب البترول وشبكة الطرق البرية السريعة.
وتشارك أنتفيرب ميناء روتردام في موقعه المركزي، لكن حجم التعامل في هذا الميناء قد بلغ نصف مثيله في الميناء الهولندي، وبرغم ذلك فإن نمو الحركة في أنتفيرب قد بلغ نحو مرتين ونصف ما كان عليه التعامل عام 1938.
وخلفية هذا الميناء الرئيسية هي منطقة الصناعة البلجيكية الفرنسية، بحكم مسار نهر الشلد الذي تقع عليه، وبواسطة القناة الملاحية إلى منطقة لييج وشمال فرنسا الصناعي، ولكن أنتفيرب بدأت تمارس منافسة واضحة مع روتردام في إيجاد خطوط حركة حديثة وسريعة مع حوض الرور والراين بواسطة الطرق الحديدية والبرية.
وبرغم تطرف موقع الهافر بالنسبة للقلب الصناعي الأوروبي المشترك، إلا أن حجم التعامل فيها قد زاد بصورة أكبر مرتين مما حدث في روتردام وأنتفيرب، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى نمو ظهير صناعي جديد يمتد من باريس إلى الهافر على طول نهر السين، ويستفيد هذا النمو الصناعي من التكتل البشري في باريس ومن النهر كوسيلة نقل كثيف ورخيص.
أما هامبورج فإن تطرف موقعها بالنسبة للقلب الصناعي الأوروبي قد زاد عليه عامل سياسي أدى إلى انخفاض واضح في نمو حجم التعامل فيها بالقياس إلى الموانئ الأوروبية الأخرى؛ ذلك أن تقسيم ألمانيا إلى شرقية وغربية قد حرم هامبورج من التعامل مع ظهيرها الاقتصادي في حوض الألب، الذي كان يشتمل على مناطق الصناعة في تشيكوسلوفاكيا وإقليم سكسونيا وبرلين في ألمانيا الديموقراطية حاليا.
Unknown page