هذا المشهد يمثل راعي قرية هو كاهن إنجيلي رمز مؤثر لآداب هذا العصر، ما احتجت إلى أكثر من تهيئة توطئة وخاتمة حتى كونت من هذا الحادث قصيدة لها بدايتها وانتهاؤها.
يضل القارئ إذا رأى في هذا الموضوع غير وجهته الشعرية، فليس هنا مقصد خفي، ولا مذهب من المذاهب، ولا مجادلة ضد إيمان ديني أو معه.
ليس موضوعي هذا من المخترعات بل هو حادث حقيقي، قال الشاعر: إن في كل ما يقولون شيئا حقيقيا، أما هنا فكل شيء يكاد يكون حقيقيا، وليس من مختلق إلا اللغة فقط.
إذا صادف مؤلفي هذا استحسانا عند الجمهور، فإني مستعد إلى إصدار مثله من حين إلى حين، أما إذا تركه يقع ويموت فإني أقف عند هذا الحد غير مستمر على إنجاز ذلك التمثال الذي أود أن أتركه بعدي.
وقال المؤلف في مقدمة الطبعة الثانية مخاطبا ملتزم روايته بما يلي: «لماذا تطلب مني مقدمة جديدة «لجوسلين»؟ لم يبق لدي ما أقوله لقراء هذا المؤلف، فالاستحسان والإكرام اللذان صودفا عند الجمهور هما أبعد مما كانت تتصوره آمالي، تراني مديونا بكثير من الشكر لهذا الشعب الراقي وأنت في مقدمته، فالفضل راجع لك ولرجال الفن الأفاضل في إلباس مشاهد هذه الرواية أردية فضفاضة من نسيج الريشة الرسامة، لا أكتمك يا سيدي أن ما تلطف به المصورون هو أجمل انتصار حلمت به في شبابي، أي مجد أسمى وأعظم من أن يرى الشاعر أفكاره المكتوبة على الأوراق منحوتة على الرخام أو مرتسمة على الأقمشة؟ أي فخر أعظم من أن يرى الشاعر بنات مخيلته تتخذ جسدا حيا وتبرز به حتى أمام الذين لا يقرءون؟ أيطمع الشاعر في أبعد من أن يرى روحه تسبح في عالم المحسوسات؟ لا، إن طماعيتي الأدبية لا تذهب إلى أبعد من ذلك، فهنا كل المجد.»
بماذا يطمع الشاعر بعد أن يكون قد أدرك كل ذلك؟ فالكتابة هي إبداع شيء، عندما تتحول المخيلة إلى صورة حية تصبح الفكرة حقيقة، ويكون الكاتب قد أحدث وأبدع واستراح!
لا يبرح عن ذهني أول رسم شعري أثر في مخيلتي الحديثة يوم كنت ولدا، كان ذلك الرسم بولس وفرجني وأتالا ورينه، لم أكن يوم ذاك لأمل النظر إلى ذلك الرسم معلقا على جدار كاهن القرية الشيخ أو في غرف الفنادق، حيث كان بائعو السلع يذيعون في الشعب اسمي برناردين ده سان بيير وشاتوبريان. لا أشك في أن الروح الشاعرة التي دخلت إلى نفسي في ذلك العمر دخلت من تلك الطريق، كنت أصرف ساعات طوالا أمام تلك المشاهد الحبية، مشاهد السكون والعفاف، قائلا في نفسي: «آه! لو يتيح لي يوما من الأيام أن أؤلف كتابا صغيرا يبقى على رفوف مكتبة العائلة، وأن يختار منه بعض الرسامين مشهدا أو مشهدين يعلقان على الجدران أمام أعين الذين لا يقرءون، فأكون قد حييت حياة سعيدة.»
لقد حققت السماء واهتمامك المقدس ذلك الأمل الصبياني يا سيدي العزيز، فسوف يعلقون لورانس بعض الأحيان تخت فرجني، وجوسلين بالقرب من الأب أوبري، فلا أرجو أن أقترب أكثر من ذلك، إن احترامي لهذين النابغتين: برناردين ده سان بيير وشاتو بريان اللذين كانا ولا يزالان أبوين كريمين للأدب الإفرنسي ليفتخر أن أبقى دونهما طيلة حياتي الأدبية، فاعتباري من تلك العائلة الخالدة يكفي نفسي عجبا وفخرا.
جوسلين، هي المؤلف الذي أكسبني أكثر من سواه ثقة كثير من الذين لم يكن لي سابق صلة بهم، فكم من نفوس ما كنت لأحلم بها قد انفتحت لي منذ صدر هذا الكتاب، في رسائل، بعضها ممضي وبعضها لا إمضاء له، تتدفق كل يوم بين يدي!
الشاعر ينشد أغانيه في عالم الذكاء والحب فيجيبه سرب من الأرواح الحساسة وألوف من الأفئدة الرنانة كاشفة أمامه شعورها وتأثراتها.
Unknown page