Jiniral Yacqub
الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس: ومشروع استقلال مصر في سنة ١٨٠١
Genres
كره المصريون الحكم الفرنسي وقاوموه. ثار أهل القاهرة ثورتين عنيفتين، وقام الفلاحون في الأقاليم كلما أتيحت لهم فرصة. وقد ذكرنا من الأسباب ما يكفي لتفسير هذا الكره دون أن نلجأ إلى تعليله بانتحال تعبيرات من تاريخ الغرب في القرن التاسع عشر. والتاريخ الصحيح لا يجد في الفتن الشعبية بالقاهرة والأقاليم إلا باعثا إيجابيا واحدا، هو الرغبة في العودة لما ألفه الناس. ولا يمكن تسمية ما ألفوه استقلالا، إنما اسمه الوحيد حكم المماليك تحت السيادة العثمانية.
وصفنا الفتن بأنها كانت شعبية. كرهها كبار العلماء دون أن يحبوا الحكم الفرنسي، وحاولوا أن يقوا الناس أذى بطش الفرنسيين جهد استطاعتهم. فكان موقفهم في أيام الاحتلال الفرنسي موقفهم في الانقلابات الماضية، إلا أن منهم ومن كبار الخاصة من عمل على التخلص من الحكم الفرنسي، وإعادة الحالة التي سبقته. يذكر التاريخ مثلا للسيد عمر مكرم الذي ترك مصر عند الاحتلال الفرنسي، واشترك في ثورة القاهرة الثانية عند قدوم الجيش العثماني لتسلم البلاد من الفرنسيين بحسب اتفاق العريش. وكان للسيد عمر فيما بعد نصيب في قيام العامة على خورشيد باشا الوالي العثماني، وتنصيب محمد علي واليا على مصر. وجرى له أثناء هذه الحوادث حديث مع مندوب خورشيد باشا ينص على حق الرعية في مقاومة الظلم.
16
ولكن لا يمكن وصف جهود السيد عمر لإخراج الفرنسيين من مصر وتسليمها للسلطان سعيا لاستقلال مصر. والظاهر أن السيد عمر كان على جانب من علو الهمة وقوة الشخصية بعثه على العمل للنفوذ السياسي. وقد رأى عاقبة أطماعه لما حاول أن يتحكم في محمد علي كما تحكم في خورشيد من قبل. فذاق النفي عن القاهرة وانتهاء حياته السياسية.
17
وكان السيد أحمد المحروقي ممن ظهر أيضا في فتنة القاهرة الثانية، ولكنه لم يتصف بصفات الزعامة التي ظهرت في السيد عمر مكرم مثلا. بل كان رجلا من رجال المال من نمط فوكيه ومن يماثله في أيام الملكية الفرنسية. وأصدق وصف له قول البرديسي له: «مثلك من يخدم الملوك».
18
وظهر في هذه الفتنة أيضا السيد السادات. وكان من أكثر العلماء نفورا من الفرنسيين وما أحدثوه، ومن أشدهم سعيا لإعادة الحكم العثماني. ثم تبين له خطؤه عند فرار الجيش العثماني بعد هزيمته في واقعة المرج أو هليوبوليس، وترك رجال الدولة العثمانية أهل القاهرة وشأنهم مع الفرنسيين بعد أن أثاروهم وحمسوهم. فكتب لعثمان كتخدا الدولة كتابا جاء فيه: «ألزمتم الغني والفقير والكبير والصغير إطعام عسكركم الذي أوقع بالمؤمنين الذل وبلغ في النهب غاية الغايات، فكان جهادكم في أماكن الموبقات والملاهي ... أخفتم أهل البلد بعد أمنها، وأشعلتم نار الفتنة ثم فررتم فرار الفيران من السنور».
19
وتبين لأهل القاهرة بعد هذه الفتنة - كما سيتبين لهم بعد جلاء الجيش الفرنسي - أنهم كانوا مخدوعين في قيامهم على الحكم الفرنسي من أجل العثمانيين، وأنهم كانوا في فتنتهم ضحية «الدجاجلة» كما سماهم الجبرتي الذي اختص منهم رجلا مغربيا لا ناقة له فيها ولا جمل. يدعو للجهاد ويحرص على الابتعاد عن مواطن القتال، يهدد من يتكلم في الصلح برمي العنق ولا يأكل إلا الدجاج.
Unknown page