Jiniral Yacqub
الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس: ومشروع استقلال مصر في سنة ١٨٠١
Genres
12
وفي أيام الاحتلال الفرنسي حرر غير المسلمين من وطنيين وأجانب أنفسهم من قيود مختلفة من المذلة، كان المسلمون يعدونها إذ ذاك شرطا من شروط بقاء الإسلام. وقد عرف بونابرت ما في هذا التحرر من إساءة للشعور الإسلامي، وبين في مذكراته تقديره أهمية هذا الأمر بيانا واضحا، فقال: «لا فايدة في إظهارنا الاحترام العميق للدين الإسلامي إذا كنا نسمح للأقباط والروم والمسيحيين الغربيين بقدر من التحرر يغير من منزلتهم الماضية. وقد أردت أن يكونوا أكثر خضوعا وأكثر احتراما لكل ما يتعلق بالإسلام وبالمسلمين مما كانوا في الماضي».
13
ونجد في الجبرتي تأييدا لصدق هذه الرغبة، فيذكر في حوادث رمضان سنة 1213: «رجوع نصارى الشوام إلى لبس العمايم السود والزرق، وإلى ترك لبس العمايم البيض والشيلان الكشميري الملونة والمشجرات، وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك، ونبهوا (أي الفرنسيون) أيضا بالمناداة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين أولا، ولا يتجاهرون بالأكل والشرب في الأسواق ولا يشربون الدخان ...»
14
لم تستمر الحالة على ذلك. ولم يكن استمرارها مما يمكن في ظل حكم غربي جمهوري شعاره المساواة والحرية الدينية. وما كانت الاعتبارات السياسية لتستطيع محو هذا الشعار تماما. هذا إلى حاجة الاحتلال الفرنسي لغير المسلمين: لأموالهم ودرايتهم بأحوال البلاد ونظمها وعادات أهلها، ولإمكان الوثوق بهم بفضل اتفاق المنافع.
فعاد غير المسلمين إلى ما عبر عنه الجبرتي بقوله: «ومن الحوادث» ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والأروام واليهود وركوبهم الخيول، وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس، ومشيهم الخيلاء وتجاهرهم بفاحش القول، واستذلالهم المسلمين ...»
15
ولم يكن للحكم الفرنسي في مدته القصيرة، وفي ظروف الحرب والفتن الملابسة له، من المآثر ما يحمل الخاصة والعامة من أهل مصر على الإغضاء عما صحبه من الانقلاب الاجتماعي. فقد كان حكما عسكريا شديدا عنيفا. ولم يكن الإصلاح الذي فكر فيه الفرنسيون، وما استحدثوه من الدواوين وغيرها، والبحث العلمي الذي شرعوا في إقامة قواعده مما يجتذب إليهم المحكومين إلا بعد زمن طويل. ذلك لأن النظم الحكومية التي اعتادها المصريون وغيرهم من أهل الشرق في آخر القرن الثامن عشر كانت ترمي لأغراض ثلاثة أساسية: جمع الأموال المفروضة، والأيدي العاملة اللازمة للأعمال العامة، واستتباب الأمن. وفيما عدا هذه الأمور الثلاثة لا تتدخل الحكومة في أحوال الرعية، بل تدع كل ما لا يتعلق من هذه الأحوال بأغراضها تنظمه الجماعات أو لا تنظمه كما جرت به العادات. وإذا شينا إجمال وصف ما اختص به نظام الحكم المملوكي، قلنا إنه يمتاز بقلة التدخل الحكومي كما نفهمه الآن وبالعنف والتعسف. ويجب ألا يحملنا ما نراه من جنوح الحكام لهذا العنف والتعسف إلى تصور نظم الحكم على غير ما صورناها من ترك الرعية وشأنها في كل ما لم يتعلق بأغراض الحكومة الأساسية. ويجب كذلك ألا يحملنا ما نسمع عنه من الظلم على الظن بأنه لم تكن أمام المحكومين وسايل مختلفة لتجنبه أو لتخفيفه. فإن ارتباك الإدارة الذي نجم عن الانقلابات المتتابعة، وسوء ذمة العمال، وفوضى السجلات، وما إلى ذلك فتح للرعية أبواب الخلاص من الفروض المختلفة سواء منها الشرعية وغير الشرعية.
لا ننتظر إذن أن يرحب المصريون في 1798 بالتدخل الحكومي وبما يصحبه من النظم الدقيقة. ولا أن يعدوها - كما نعدها الآن - ضمانا لحقوقهم؛ لأنهم على العكس كرهوا ضبط الدفاتر، واعتبروه اشتطاطا في الطلب، ولم يروا فيما اتخذته الحكومة من الوسايل لمنع الأمراض، كتخطيط المدن من جديد، ومنع الدفن فيها حيثما اتفق، وكنس الطرقات، وعزل المرضى عن الأصحاء؛ إلا استبدادا لا يطاق وفضولا لا يفهم.
Unknown page