فلما أتم تلاوة خطاب سليم عجب لما تضمنه من الإشارة إلى ذلك الحديث الغريب، وأخذ يفكر فيما عساه أن يكون، فرجح أنه يتعلق بما كان من معارضة والدة سليم في خطبته لسلمى. وسر لنجاح مساعيه لديها في هذا السبيل، كما سر لقرب عودة صديقه سليم.
وما عاد إلى منزله في حلوان بعد انتهائه من عمله حتى خلا إلى والدته وأخبرها بالمهمة التي كلفه سليم أن يقوم بها وقال لها: «إنني أخشى ألا تتاح لي فرصة أخلو فيها إلى سلمى لأبلغها رسالة سليم؛ ولهذا أرجو أن تعاونيني على إنجاز هذه المهمة، فما قولك؟»
قالت: «هذا أمر سهل، وغدا أمضي أنا وشقيقتك معك إلى القاهرة لزيارة أسرة سلمى، ثم نبذل جهدنا أنا وشقيقتك في أن نشغل والديها بالحديث لنتيح لك فرصة تبليغها رسالة سليم دون أن يشعر أحد.»
فاستحسن رأي والدته وشكرها على عنايته بحل تلك المشكلة. •••
كان اليوم التالي يوم جمعة ولا عمل لحبيب بالديوان، فاصطحب والدته وشفيقة إلى المحطة في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم، وما وصل بهم القطار إلى القاهرة حتى توجهوا من فورهم إلى منزل سلمى، ففتحت لهم والدتها الباب ورحبت بهم وأدخلتهم غرفة الجلوس فسألتها والدة حبيب عن صحة سلمى فقالت: «إنها ما زلت ملازمة فراشها وصحتها تزداد سوءا رغم تناولها الدواء بانتظام، وأملنا في الله كبير، وهو القادر على أن يشفيها.»
وبعد قليل، وقفت شفيقة وقالت لها: «هل أستطيع الدخول على صديقتي سلمى في غرفتها الآن.» قالت: «نعم.»
وقبل أن تغادر شفيقة غرفة الاستقبال، استوقفها حبيب، ثم التفت إلى والدة سلمى وقال: «هل أستطيع أن أصحب شفيقة لرؤية سلمى والاطمئنان عليها؟»
فقالت: «ولم لا يا بني؟ إنها ستسر برؤيتكما ولا شك.»
فنهض ومضى مع شقيقته ودخلا غرفة سلمى، فإذا هي ممددة في سريرها وقد هزل جسمها وامتقع لونها وغارت عيناها، وما كادت تراهما حتى انفجرت باكية لفرط تأثرها وتذكرها ما كان من أمر سليم معها. فهمت بها شفيقة وقبلتها وأخذت في تسليتها والترفيه عنها محاولة بث الأمل في الشفاء التام العاجل في نفسها، فازدادت سلمى بكاء وقالت: «إن ضعفي يشتد يوما بعد يوم، وأحسب أني لن أغادر هذا الفراش إلا بعد أن أغادر الدنيا كلها.»
فلم تتمالك شفيقة من البكاء، وكاد حبيب يبكي معهما لولا أن تذكر المهمة التي جاء لأجلها، وأن في إبلاغ سلمى رسالة سليم ما قد يخفف من ضعفها وحزنها، فتجلد ولبث ينتظر أن تسنح له فرصة لأداء تلك المهمة. ثم سمعت شفيقة والدتها تناديها فنهضت ومضت إليها وهي في غرفة الاستقبال مع والدة سلمى لترى ما تريد، فقالت لها والدتها: «إن خالتك - أي والدة سلمى - متعبة ولا شك لكثرة ما لديها من الأعمال المنزلية، ولكنها أصرت على أن نشرب القهوة عندها، فاشترطت عليها أن تصنعي القهوة أنت. فهيا يا بنيتي إلى المطبخ واصنعي لنا القهوة المطلوبة.» فأشارت شفيقة برأسها موافقة، وانصرفت للقيام بهذه المهمة.
Unknown page