وشعر حبيب عقب جلوسه باستغرابهما مجيئه في تلك الساعة، فأفهمهما أنه ذهب لمقابلة الخواجة سعيد للتفاهم معه على خطة الذهاب إلى الأهرام وإعداد ما يحتاجون إليه في تلك الرحلة، فلما لم يجده في منزله، رأى أن يزورهم لذلك السبب نفسه، فاقتنعتا بذلك، وأخذ ثلاثتهم يتداولون في أمر الرحلة.
وبعد قليل تركتهما والدة سلمى معتذرة بأن الطعام على النار وأنها لا تثق بالطباخ في إصلاحه، فقبل حبيب عذرها وقد سر جدا منه. وما كادت تنصرف حتى عاد إلى الحديث مع سلمى في شأن زيارة الأهرام، ثم تطرق من ذلك إلى حديث أدما فقال: «إني أنتظر صباح الغد بفروغ صبر حتى نذهب في موعدنا هذا؛ وذلك لأني أحب الذهاب إلى تلك الجهة لجودة هوائها وحسن موقعها، ومما يضاعف سروري أن شقيقتي شفيقة أكثر مني تشوقا لهذه الرحلة، ولا سيما بعد أن علمت بأنكم ذاهبون معنا أيضا، وكذلك أسرة الخواجة سعيد، وهي لم تر الآنسة أدما منذ وقت طويل.»
فقالت سلمى: «إن الآنسة شفيقة خليقة بكل محبة وإجلال، ونحن جميعا نحبها ونجلها للطفها وتعقلها. ولكن لا شك في أن الآنسة أدما أكثرنا انعطافا نحوها، وهي لا تفتر عن ذكرها وامتداحها.»
فقال: «لقد لاحظت مثل هذا الانعطاف من شقيقتي نحو الآنسة أدما، وكثيرا ما ذكرتها بالمدح والثناء والإعجاب بحسن خصالها.»
فقالت: «الحق أن الآنسة أدما من أحسن البنات تهذبا وأدبا ولطفا، كما أنها على جانب عظيم من العلم والمعرفة.»
فقال حبيب وقد خفق قلبه وعلا وجهه الاحمرار: «وأين تعلمت كل هذا؟»
قالت: «تعلمته في مدارس بيروت، كما تعلمت فن التصوير وأتقنت الخط.»
فقال: «أتقنت الخط؟ هذا عجيب لأن الفتيات قلما يتقن الخط لقلة استعمالهن الكتابة!»
قالت: «الواقع أن خط الآنسة أدما جميل جدا، وإذا شئت فإني أطلعك على خطها في رسالة بعثت بها إلي منذ بضع سنين.»
قال وقد استبشر بالفوز: «لا أريد أن أثقل عليك بتكليفك البحث عن هذه الرسالة الآن.»
Unknown page