قال داود: «إني من أصحاب الأملاك الزراعية في مديرية الغربية، ولكن إقامتي بالقاهرة في شارع شبرا قرب منزل الخواجة سليمان.»
فلما سمع سليم ذلك خفق قلبه لأن الخواجة سليمان هو والد حبيبته سلمى، فأصغى إلى داود بكل جوارحه، وواصل هذا كلامه فقال: «وكنت منذ أربع سنوات أتردد إلى بيت جاري المشار إليه ونتبادل الزيارات فيما بيننا كعادة الجيران في بلادنا، وكان له ابنة اسمها سلمى ...»
فاشتد خفقان قلب سليم، وازداد اشتياقا إلى استطلاع الحكاية فأنصت لسماع تتمة الحديث، ومضى داود فقال: «وقد آنست في تلك الفتاة لطفا وتهذيبا قل مثالهما كما رأيت منها ميلا إلي، وكنت أستأنس بها كثيرا حتى علقتها ومال قلبي إليها.»
وهنا كاد قلب سليم أن يقفز من بين ضلوعه، وشبت نار الغيرة فيه، لكنه أمسك عن إظهار عواطفه ليقف على نهاية القصة.
فقال داود: «فلما رأيتها تحبني وتظهر لي الميل الشديد تلميحا وتصريحا، ورأيت أباها يلاطفني ويكثر من دعوتي إلى زيارتهم، لاح لي أن أخطبها منه، وبقي هذا الأمر يتردد في فكري زمنا طويلا خوفا من أن يكون في الأمر دسيسة أو خديعة، ولكن الحب أعمى بصيرتي فصممت على خطبتها منه وفاتحته في الأمر، فرأيت منه ميلا شديدا إلي، وقال لي: «إن سلمى تكن لك أضعاف هذا الميل.» فازددت تعلقا بالفتاة وصرت أكثر من التردد إلى البيت، وكنت أحيانا أخلو إلى الفتاة ونظل الساعة والساعتين نتبادل عواطف الحب، ولم أكن أرى منها إلا حبا وهياما وطالما صرحت لي بأنها لم يعلق قلبها بسواي إلى غير ذلك من عبارات المحبة.»
فلم يتمالك سليم عند ذلك عن الانتفاض من شدة التأثر، وعلا وجهه الاحمرار وأحس كأن نارا تتقد في جسمه غيرة وحنقا، لكنه تجلد حتى يسمع بقية الحديث، مكتفيا بإظهار عنايته بتتبعه.
فقال داود: «ولا أكتمك أني وصلت في حب هذه الفتاة إلى درجة أن صورتها لم تكن تفارق ناظري ليلا ولا نهارا، وظننت نفسي قد بلغت نهاية السعادة بالحصول عليها. على أني لم أخطبها رسميا لأن أباها العجوز - سامحه الله - قال لي: «إن الخطبة لا بأس من تأخيرها.» ثم طلب مني بعض المال على سبيل القرض، لاحتياجه إليه في دعوى مقامة عليه، لا أعلم ما هي وربما كانت مثل الدعوى التي أرجو أن أستطيع رفعها ضده بمساعدتك، فنقدته مائة جنيه. ونظرا إلى ثقتي به لم أكلفه كتابة صك بها، وقد كنت أحسبه أشرف رجل على وجه هذه البسيطة كما كنت أحسب ابنته أطهر فتاة رأتها عيني. ولكني اضطررت بعد ذلك إلى العدول عن خطبة الفتاة لسبب أخجل أن أذكره.»
فاشتعل قلب سليم غيرة وحنقا، ولم يتمالك عن النهوض عن الكرسي بغتة لشدة الانفعال، لكنه عاد إلى عقله وخاف الفضيحة فتظاهر بأنه يبحث عن علبة سجايره ثم تناولها ودفع إلى داود سيجارة منها، وأشعل لنفسه أخرى وجلس لسماع الحديث وهو يجاهد نفسه لإخفاء عواطفه.
ولم تخف حالته على داود، لكنه تجاهل وواصل كلامه فقال: «نعم، إنني أخجل من ذكر سبب عدولي عن خطبة الفتاة، ولا سيما أن الأمر يمس العرض.»
فقال سليم: «لا داعي للخجل، وقد أقسمت لأكتمن السر.»
Unknown page